ج - وأما المعقول : فقالوا : إن العبد كالسِّلعة والمتاع بسبب الرق الذي هو من آثار الكفر، والكافر كالدابة بسبب الكفر الذي طغى عليه، وقد قال تعالى :﴿ إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ الأنفال : ٥٥ ] فكيف يُساوى المؤمن بالكافر، وكيف يقتل به؟.
أدلة الحنفية :
واستدل الحنفية على مذهبهم ببضعة أدلة نوجزها فيما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى... ﴾ إنّ الله أوجب قتل القاتل بصدر الآية، وهي عامة تعم كل قاتل سواءً كان حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً، وأما قوله تعالى :﴿ الحر بِالْحُرِّ والعبد بالعبد... ﴾ إلخ فإنما هو لإبطال الظلم الذي كان عليه أهل الجاهلية، حيث كانوا يقتلون بالحر أحراراً، وبالعبد حراً، وبالأنثى يقتلون الرجل تعدياً وطغياناً، فأبطل الله ما كان من الظلم، وأكد القصاص على القاتل دون غيره كما فهم ذلك من سبب النزول وقد تقدم.
ثانياً : واستدلوا بقوله تعالى في سورة [ المائدة : ٤٥ ] :﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النفس بالنفس... ﴾ قالوا : وهو عموم في إيجاب القصاص في سائر المقتولين، وشرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يرد ناسخ، ولم نجد ناسخاً.
ثالثاً : واستدلوا كذلك بقوله تعالى :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً ﴾ [ الإسراء : ٣٣ ] فإن هذه الآية انتظمت جميع المقتولين ظلماً، عبيداً كانوا أو أحراراً، مسلمين أو ذمّيين، وجُعل لوليهم سلطان وهو ( القود ) أي القصاص.
رابعاً : واستدلوا بقوله ﷺ :« المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم » فيكن العبد مساوياً للحر.
خامساً : واستدلوا بحديث :« من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه، ومن خصاه خصيناه ».
قالوا : فهذا نص على أن الحر يقتل بالعبد، لأن الإسلام لم يفرّق بين حر وعبد.
سادساً : واستدلوا بما رواه البيهقي من حديث عبد الرحمن البيلماني « أن رسول الله ﷺ قتل مسلماً بمعاهد وقال :» أنا أكرم مَن وفّى بذمته « ».
سابعاً : قالوا : ومما يدل على قتل المسلم بالذمي اتفاق الجميع على أنه يقطع إذا سرقه، فوجب أن يقاد منه، لأن حرمة دمه أعظم من حرمة ماله.
هذه هي خلاصة أدلة الفريقين : عرضناها باختصار، وسبب الخلاف في الحقيقة يرجع إلى اختلاف العلماء في فهم الآية، فالحنفية يقولون : إن صدر الآية مكتف بنفسه، وقد تم الكلام عند قوله :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى ﴾ وسائر الأئمة يقولون : لا يتم الكلام هاهنا، وإنما يتم عند قوله :﴿ والأنثى بالأنثى ﴾ فهو تفسير له وتتميم لمعناه، والآية وردت لبيان التنويع والتقسيم.
وقد اعترض الحنفية على الجمهور بأنه ينبغي ألا يُقتل الرجل إذا قتل أنثى؟ وكذلك العبد إذا قتل حراً؟ مع أنهم يقولون أنه يقتل العبد بالحر، والرجل بالمرأة!!
أجاب الجمهور : بأن ظاهر الآية يفيد ألا يقتل العبد بالحر، ولكننا نظرنا إلى المعنى فرأينا أن العبد يُقتل بالعبد، فأولى أن يقتل بالحر، وأما قتل الرجل بالمرأة فذلك ثابت بالإجماع، وهو دليل آخر خصّص الآية الكريمة ولولا الإجماع لقلنا لا يقتل الذكر بالأنثى.