واحتجوا بحديث أنس :« أن يهودياً رضخ رأس امرأة بحجر، فرضخ النبي ﷺ رأسه بحجر ».
وذهب أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه : إلى أن القتل لا يكون إلا بالسيف، لأن المطلوب بالقصاص إتلاف نفسٍ بنفس، واستدلوا بحديث :« لا قود إلاَّ بالسيف » وحديث « النهي عن المُثْلة » وحديث « إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة » وقالوا : إذا ثبت حديث أنس كان منسوخاً بالنهي عن المُثْلة.
وقالوا : إن القتل بغير السيف من التحريق، والتفريق، والرشخ بالحجارة، والحبس حتى الموت ربما زاد على المثل فكان اعتداءً والله تعالى يقول :﴿ فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ وقد حكي أن ( القاسم بن معن ) حضر مع ( شريك بن عبد الله ) عند بعض السلاطين، فسأله ما تقول : فيمن رمى رجلاً بسهمٍ فقتله؟ قال : يُرمى فيقتل، قال : فإن لم يمت بالرمية الأولى؟ قال : يُرمى ثانياً، قال : أفتتخذونه غرضاً وقد نهى رسول الله ﷺ أن يُتخذ شيء من الحيوان غراً؟ ولعلّ ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة يكون أرجح والله أعلم.
الحكم الخامس : من الذي يتولى أمر القصاص؟
قال القرطبي :« اتفق أئمة الفتوى على أنه لا يجوز لأحدٍ أن يقتصَ من أحدٍ حقه دون السلطان، وليس للناس أن يقتص بعضهم من بعض، وإنما ذلك للسلطان، أو من نصبه السلطان لذلك، ولهذا جعل الله السلطان ليقيض أيدي الناس بعضهم عن بعض ».
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
١ - تشريع القصاص فريضة من الله على عباده المؤمنين لصلاحهم وسعادتهم.
٢ - القصاص يقلّل الجرائم، ويقضي على الضغائن ويربي النجاة.
٣ - في القصاص حياة النفوس، وحماية الأفراد والمجتمعات البشرية.
٤ - الاعتداء على غير القاتل من العصبية الجاهلية التي حاربها الإسلام.
٥ - تجب المماثلة في القصاص حتى لا ينتشر البغي والظلم والعدوان.
٦ - إذا عفا أولياء القتيل وقبلوا الدية فيجب دفعها لهم بدون مماطلة ولا تسويف.
٧ - تخفيف العقوبة رحمة من الله على عباده المؤمنين يجب عليهم شكرها.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
شرع المولى الحكيم العليم القصاص، وأوجب تنفيذه على الحكام، صيانة لدماء الناس، ومحافظة على أرواح الأبرياء، وقضاء على الفتنة في مهدها، ذلك لأن أخذ الجاني بجنايته يكون زاجراً له ولغيره، ورادعاً لأهل البغي والعدوان، فإذا همّ أحدٌ بقتل أخيه، أو تهيب خيفةً من القصاص، فكفّ عن القتل، فكان في ذلك حياةً له، وحياة لمن أراد قتله، وحياة لأفراد المجتمع، وإذا بقي المعتدي يرتع، دون جزاءٍ أو عقاب، أدّى ذلك إلى إثارة الفتن، واضطراب الأمن، وتعريض المجتمع إلى سفك الدماء البريئة أخذاً بالثأر، فإنّ الغضب للدم المراق فطرة في الإنسان، والإسلام راعى ذلك فقرّر شريعة القصاص، حتى يستلّ لأحقاد من القلوب، ويقضي على أسباب البغي والخصام، والعدوان.