ولكن الإسلام في الوقت الذي يفرض فيه القصاص، يحبّب في العفو، ويرسم له الحدود، فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص العدل، دعوة إلى التسامي في حدود التطوع، لا إلزاماً يكبت فطرة الإنسان، ويحملها مالا تطيق ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾.
وقد نقل المولى - جل وعلا - بهذا التشريع الحكيم العقوبات، من معنى انتقامي إلى معنى سام جليل، فقد كانت العقوبات السالفة، انتقاماً ينتقم بها المجتمع من المجرمين، أو ينتقم بها أهل القتيل من أهل المقتول، فلا يقبلون حتى يسفكوا مقابل الدم الواحد الدماء البريئة ويزهقوا الأرواح. وربما قتلوا بالرجل مائة رجل، فجعل الله الغرض منها الاستصلاح ﴿ وَلَكُمْ فِي القصاص حياوة ياأولي الألباب ﴾ ولم قل لكم فيه انتقام. ولقد رقت قلوب قوم من رجال ( التشريع الوضعي ) فاستفظعوا قتل القاتل، ورحموه من القتل، ولقد كان ( المقتول ظلماً ) أولى بالرحمة والشفقة والعطف، وإذا رحموا القاتل فمن يرحم المجتمع من سطوة المجرمين من أهل الفساد!! وماذا نصنع مع العصابات التي كثرت في هذه الأيام واتخذت لها طريقاً إلى ترويع المجتمع بالسلب والنهب وسفك الدماء؟ لقد نظروا نظرة ضيقة بفكر غير سليم، ولو نظروا عامة شاملة بفكر وعقل مستنير لرحموا الأمة من المجرمين، بالأخذ بشدة على أيدي العابثين، فإن من يرحم الناس يسعى لتقليل الشر عنهم، وكف عادية المعتدين.


الصفحة التالية
Icon