فبواسطة الهلال تعرف أوقات الصيام والحج كما قال تعالى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهلة قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج ﴾ [ البقرة : ١٨٩ ] فلا بدّ من الاعتماد على الرؤية، ويكفي لإثبات رمضان شهادة واحدٍ عدل عند الجمهور، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال :« تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله ﷺ أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه » وأما هلال شوال فيثبت بإكمال عدة رمضان ثلاثين يوماً، ولا تقبل فيه شهادة العدل الواحد عند عامة الفقهاء.
وقال مالك : لا بدّ من شهادة رجلين عدلين، لأنه شهادة وهو يشبه إثبات هلال شوال، لا بدّ فيه من اثنين على الأقل.
قال الترمذي : والعمل عند أكثر أهل العلم على أنه تقبل شهادة واحدٍ في الصيام.
روى الدارقطني : أنّ رجلاً شهد عند علي بن أبي طالب على رؤية هلال رمضان فصام وأمر الناس أن يصوموا، وقال : أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان.
الحكم العاشر : هل يعتبر اختلاف المطالع في وجوب الصيام؟
ذهب الحنيفة والمالكية والحنابلة : إلى أنه لا عبرة باختلاف المطالع، فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله ﷺ :« صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته » وهو خطاب عام لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعاً.
وذهب الشافعية إلى أنه يعتبر لأهل كل بلد رؤيتهم، ولا تكفي رؤية البلد الآخر، والأدلة تطلب من كتب الفروع فارجع إليها هناك.
الحكم الحادي عشر : حكم الخطأ في الإفطار.
اختلف العلماء فيمن أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس، أو تسحرّ يظن عدم طلوع الفجر، فظهر خلاف ذلك، هل عليه القضاء أم لا؟
فذهب الجمهور وهو مذهب ( الأئمة الأربعة ) إلى أنّ صيامه غير صحيح ويجب عليه القضاء، لأن المطلوب من الصائم التثبت، لقوله تعالى :﴿ حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الأبيض مِنَ الخيط الأسود ﴾ فأمر بإتمام الصيام إلى غروب الشمس، فإذا ظهر خلافه وجب القضاء.
وذهب أهل الظاهر والحسن البصري إلى أن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقوله تعالى :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ [ الأحزاب : ٥ ] وقوله ﷺ :« رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وقالوا : هو كالناسي لا يفسد صومه.
الترجيح : وما ذهب إليه الجمهور هو الصحيح لأن المقصود من رفع الجناح رفع الإثم لا رفع الحكم، فلا كفارة عليه لعدم قصد الإفطار، ولكن يلزمه القضاء للتقصير، ألا ترى أن القتل الخطأ فيه الكفارة والدية مع أنه ليس بعمد، وقياسه على الناسي غير سليم، لأن الناسي قد ورد فيه النص الصريح فلا يقاس عليه والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon