كما لا يصح العكس أن نستعمل (ما) و (إلا) موضع (إنما) في قولنا: "إنما هو درهم لا دينار" ولو قلتَ :"ما هو إلاَّ دِرهمٌ لا دينار" لم يكن شيئاً، لأنك نفيت عنه كل صفة تنافي الدرهمية فيندرج فيه نفي الدينار، فإذا قلت بعده: (لا دينار) كان تكرارا.
ب تستعمل (ما) و (إلا) فيما يتوهم المخاطب خلافه، فتقول: (ما هو إلا زيد) بخلاف (إنما) والتي تجيء فيما لا يجهله المخاطب، ومن هنا حسن قولنا: (إنما هو أخوك) ولم يحسن (ما هو إلا أخوك) تذكيرا بلوازم الأخوة.
كما تأتي (ما) و (إلا) فيما ينزل منزلة المنكر نحو: ﴿ قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ فالبشرية معلومة لكن جاء الكلام بـ (إن) و (إلا) دون (إنما) لأن الكفار جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم، ولما كان كذلك أخرج اللفظ مخرجه عندما يراد إثبات أمر يدفعه المخاطب ويدعي خلافه.
وكذلك الأمر في قوله تعالى: ﴿ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾ جاء بالنفي والإثبات لمبالغته - ﷺ - في الإنذار بحيث يُظن أنه يملك تحويل قلوب الكفار إلى الإسلام، فهذا الخطاب جعل المخاطب بمنزلة من ظن أنه يملك ذلك ولا يعلم أنه ليس في وسعه إلا الإنذار والتحذير فأخرج اللفظ مخرجه فقال: ﴿ إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ ﴾.
(الهمزة)
إذا ولي الهمزة الفعل الماضي فقلت: (أبنيت الدار) كان الشك في الفعل، وكان الغرض من الاستفهام معرفة وجوده.
وإذا وليها الاسم فقلت: (أأنت بنيت هذه الدار) كان الشك في الفاعل من هو؟ لأنه إذا لم تكن الدار موجودة كيف يقع الشك في بانيها.
فإذا قلت: (أبنيت هذه الدار) لم يكن كلاما صحيحا إذ هو بمنزلة أن تقول في الشيء المشاهد: أموجود هو أم لا.
وتجيء الهمزة للتقرير تارة وللإنكار أخرى: