أما التقرير فكقوله تعالى: ﴿ قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴾ فليس غرضهم أن يقر لهم بوجود كسر الأصنام، ولكن بأن يقر بأن الفعل كان منه لا من غيره.
وأما الإنكار فكقوله تعالى: ﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ ﴾ فالإنكار هنا في نفس الفعل.
أما إذا قدم الاسم ففيه يتوجه الإنكار إلى الفاعل كقولك لمن انتحل شعرا: (أأنت قلت هذا الشعر؟ كذبت لست ممن يحسن فعله) فأنكرت أن يكون القائل هو ولم تنكر الشعر.
(ما) النافية
ولها حالتان:
١- من شأنها إذا وليها الفعل أن تنفيه، دون التعرض لكون ذلك الفعل لآخر أو لم يُفعل أصلا، فإذا قلت: (ما ضربت زيدا) كنت قد نفيت عن نفسك ضربا واقعا بزيد، وذلك لا يقتضي كونه مضروبا، بل ربما لا يكون مضروبا أصلا.
٢- إذا وليها الاسم كقولك: (ما أنا ضربت زيدا) لم تقله إلا وزيد مضروب، وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
ويدل على هذا الفرق ما يلي:
١- أنه يصح أن تقول: (ما ضربت زيدا، ولا ضربه غيري) ولا يصح أن تقول: (ما أنا ضربت زيدا ولا ضربه غيري).
٢- لو قلت: (ما ضربت إلا زيدا) كان كلاما مستقيما، ولو قلت: (ما أنا ضربت إلا زيدا) كان لغوا من القول؛ لأن نقض النفي بـ "إلا" يقتضي أن تكون ضربت زيدا، وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته.
وهذا الفرق بعينه يجيء في تقديم المفعول وتأخيره، فإذا قلت: "ما ضربت زيدا" فقدمت الفعل، كان المعنى أنك نفيت أن يكون قد وقع ضرب منك من غير تعرض لبيان كونك ضاربا لغيره.
وإذا قلت: "ما زيدا ضربت" كان المعنى: أن ضربا منك وقع على إنسان، فظُن أن ذلك الإنسان هو زيد فنفيت أن يكون إياه، ولهذا تقول على الوجه الأول: "ما ضربت زيدا ولا أحدا من الناس" وليس لك ذلك في الوجه الثاني.


الصفحة التالية
Icon