بفساد النظم وسوء التأليف (١).
وهنا أنبه إلى أمور:
١- أن البلاغة لا تحصل بسبب مفهومات الألفاظ مثل أن "الواو" للجمع، والفاء للتعقيب دون تراخي، وهكذا بل بسبب العلم بالمواضع التي تليق بها معاني هذه الحروف.
٢- كون الكلمة حسنت في موضع منكرة لا يلزم ذلك حسنها دائمان بل ذلك بحسب المعاني والأغراض التي يوضع لها الكلام.
٣- لا يحصل النظم أو مراعاة التأليف في الكلمة الواحدة بل في كلمات ضم البعض إلى البعض، وذلك النظم يعتبر فيه أحوال المفردات وأحوال انضمام بعضها إلى بعض.
أقسام النظم:
إذا نظمت الجمل نظما واحدا فلا يخلو: إما أن يتعلق البعض بالبعض، أو لا يتعلق.
أولا: إذا لم يتعلق البعض بالبعض: كقول أحدهم :" جنَّبكَ اللُه الشُّبهةَ، وعصَمكَ منَ الحَيْرة، وجعَلَ بينَكَ وبينَ المعرفة نَسَباً، وبينَ الصَّدقِ سَبباً" وهذا الضرب من النظم لا يستحق الفضيلة إلا بسلامة معناه وسلاسة ألفاظه، إذ ليس فيه معنى دقيق لا يدرك إلا بثاقب الرأي ودقيق النظر.

(١) كان حق الشاعر أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه، فإنه يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان، فقال: وما مثله يعني إبراهيم الممدوح في الناس حي يقاربه أي أحد يشبهه في الفضائل إلا مملكا (يعني هشاما) أبو أمه (أي أبو أم هشام) أبوه (أي أبو الممدوح) فالضمير في "أمه" للملك، وفي "أبوه" للممدوح، ففصل بين "أبو أمه" وهو مبتدأ و"أبوه" وهو خبره "بحي" وهو أجنبي، وكذا فصل بين "حي" و"يقاربه" وهو نعت حي بـ"أبوه" وهو أجنبي، وقدم المستثنى على المستثنى منه، فهو كما تراه في غاية التعقيد، فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة لفظية أو معنوية.


الصفحة التالية
Icon