وإذا أخرت فقلت: "وجعلوا الجن شركاء لله" لم يفد ذلك المقصود ولم يكن فيه شيء أكثر من الإخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما إنكار المعبود الثاني على الإطلاق فلا يكون في اللفظ دليل عليه مع تأخر "الشركاء" وذلك أن التقدير في التقديم هو أن "شركاء" مفعول أول لـ "جعل" و"لله" في موضع المفعول الثاني، ويكون "الجن" على تقدير كلام آخر وهو : انه قيل: "فمن جعلوا شركاء لله" فقيل الجن، وإذا كان كذلك وقع الإنكار على جعل الشريك لله تعالى على الإطلاق من غير اختصاص شيء دون شيء، وحصل أن جعل الشريك من غير الجن قد دخل في الإنكار كما دخل جعله من الجن، لأن الصفة ذكرت مجردة كان الذي تعلق بها من النفي عاما في كل ما يجوز أن يكون له تلك الصفة.
الفن الرابع
التشبيه
وهو: عقد مماثلة بين أمرين أو أكثر لاشتراكهما في صفة أو أكثر بأداة.
وأركان التشبيه أربعة:
١- المشبه: وهو الأمر الذي يراد إلحاقه بغيره.
٢- المشبه به: وهو الأمر الذي يلحق به المشبه.
٣- وجه الشبه: وهو الوصف المشترك بين الطرفين، ويكون في المشبه به أقوى منه في المشبه.
٤- أداة التشبيه: وهي اللفظ الذي يدل على التشبيه، ويربط المشبه به، وقد تذكر الأداة وقد تحذف.
والتشبيه ليس من المجاز، لأنه معنى من المعاني وله حروف وألفاظ تدل عليه وضعا، مثل: الكاف وكأن ومثل، فإذا صرح بذكر الألفاظ الدالة عليه وضعا كان الكلام حقيقة.
ومن أمثلة التشبيه في القرآن:
١- ﴿ وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ﴾
٢- ﴿ وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة ﴾
٣- ﴿ تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ﴾
٤- ﴿ وأزواجه أمهاتهم ﴾
٥- ﴿ تمر مر السحاب ﴾
الفن الخامس
الإيجاز
وهو: وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل منها، من غير إخلال.
كقوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ فهذه الآية جمعت مكارم الأخلاق.
وكقوله تعالى: ﴿ ولكم في القصاص حياة ﴾.