الله مكتوبا في الصحف إلى داود عليه السلام، وصحف إبراهيم نزلت إليه من
السماء مكتوبة، أما القرآن فنزل بالتدريج والتقسيط، وإنما أودع القلوب
لأن الله تعالى أراد بحكمته أن تكون مصاحف هذه الأمة وأناجيلها في
صدورها كما جاء وصفها بذلك في الإنجيل والتوراة أناجيلها في صدورها،
ولهذا يسر الله القرآن للذكر، فهو ميسر للحفظ يحفظه الكبار والصغار
والذكور والإناث، ومن كان من الناطقين باللغة العربية على وجه السليقة
ومن كان من الناطقين بها على وجه التعلم، كلهم يأخذ حظه من هذا القرآن
ميسرا له، ومن هذه الخصائص أن هذا القرآن كذلك في تنزيله حصل فيه النسخ
والإنساء والتبديل، ولم يكن ذلك يحصل في الكتب السابقة، فقد كانت تنسخ
دفعة واحدة، ولهذا استنكر المشركون هذه الظواهر لأنهم ما عرفوها في
الكتب السابقة، فرد الله تعالى عليهم فيما يتعلق بتنزيله بقوله:
&#٦٤٨٣١; وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا، قل آمنوا به
أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون
للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا&#٦٤٨٣٠; وقال تعالى:
&#٦٤٨٣١; وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة، كذلك لنثبت به
فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا&#٦٤٨٣٠;
وهذه الآية ذكر فيها ثلاث حكم هي سر تنزيله بالتدريج والتقسيط، أما
الحكمة الأولى من هذه الحكم فهي قوله تعالى: كذلك لنثبت به فؤادك تثبيت
فؤاد النبي r عما يعرض من إعراض المشركين وتكذيبهم له وأذاهم به، وعما
يعرض كذلك في الزمان من المشكلات وعما يعرض من الأسئلة والاعتراضات فكل
ذلك يأتي القرآن تثبيتا للنبي r كقصص الأنبياء السابقين فهي تثبيت له،
لأنهم عانوا أكثر مما عانى ولهذا قال r: «رحم الله أخي موسى قد أوذي
بأكثر من هذا فصبر»
وقال «رحم الله أخي يوسف لو مكثت في السجن ما مكث


الصفحة التالية
Icon