كانت هذه الرسالة الخالدة الباقية وهي رسالة الإسلام مرتبطة بمعجزة
خالدة باقية وهي هذا القرآن الذي تحدى الله به الثقلين الإنس والجن أن
يأتوا بسورة مثله وهذا التحدي باق إلى أن يرفعه الله، منه بدأ وإليه
يعود، ومن هنا فلو كانت معجزة النبي r كجنس المعجزات السابقة لما
استطعنا نحن الآن إقناع أحد بالإسلام، لأنكم أنتم الآن لو لم تسمعوا في
القرآن أن المسيح بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله ويخلق من الطين
كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله لما صدقتم ذلك، وإنما
صدقتموه لأنه جاء في القرآن، ولهذا فهذه المعجزة قائمة باقية وهي إعجاز
في اللفظ وإعجاز في المعنى وإعجاز في التشريع وإعجاز في العلم وإعجاز
في القصص، فاللفظ: ألفاظ القرآن محصورة يسيرة، آياته ستة آلاف ومائتان
وأربع عشرة آية أو ستة آلاف ومائتان وأربع وثلاثون آية على العد الكوفي
وهي بين أيديكم بين دفتي المصحف، يضعه الإنسان في جيبه ويحفظه في صدره
ومع ذلك جمعت أنواع علوم الأولين والآخرين، ثم لخص كل ما فيه من العلوم
على كثرتها وتشعبها في سبع آيات فقط وهي السبع المثاني الفاتحة، فيها
ما يتعلق بالتوحيد والثناء على الله بالألوهية والأسماء والصفات
وبالربوبية، وفيها ما يتعلق باليوم الآخر والعرض على الله، وفيها ما
يتعلق بعبادات الناس، وفيما ما يتعلق بمعاملاتهم وفيها ما يتعلق بالقصص
وأطوار الناس في الأرض، الحمد لله رب العالمين هذا جامع لتوحيد الله
تعالى بربوبيته وألوهيته الرحمن الرحيم هذا جامع للإيمان بأسمائه
وصفاته، مالك يوم الدين هذا جامع لليوم الآخر وما اشتمل عليه، إياك
نعبد هذا جامع لأحكام العبادات والتعامل مع الله، وإياك نستعين هذا
جامع لأحكام المعاملات وكل ما يتعلق بشؤون العباد فيما بينهم، اهدنا
الصراط المستقيم هذا جامع لأحوال العباد من بداية النشأة إلى الممات
وما يكلفون به من التكاليف وما يمر عليهم من الأخلاق والقيم والمبادئ