المعتزلة الذين يرون أن التحسين والتقبيح يرجع إلى العقل فيرون أن
النجاسة عرفت بالعقل والشرع كشف عن ذلك، ولكن الواقع يشهد لخلاف هذا،
فالشارع جعل المخاط طاهرا، فوصفه بالطهارة وهو مستقذر جدا، وجعل الدم
موصوفا بالنجاسة وهو غير مستقذر في العادة، دم الذبيحة غير مستقذر في
العادة، ودم الإنسان إذا جرح فسال الدم من وجهه هذا في العادة ليس قذرا
لكنه نجس، وبهذا يعلم أن الشارع رتب الحكم على غير ما يحسنه العقل
ويقبحه، فلذلك يكون الحكم الشرعي من قبل الشارع لا من قبل العقل ولا
دخل للعقل فيه وعلى هذا تكون الصفات الحكمية قسما مستقلا لا هو من
الصفات الذاتية ولا من الصفات العرضية، ولذلك يقع فيه النسخ، يباح
الشيء فيكون طاهرا كلحوم الحمر الأهلية، ثم يحرم فيتصف بوصف آخر حكمي
غير الوصف السابق فدل هذا على أن وصف الطهارة فيه ليس وصفا ذاتيا ولا
هو وصف عرضي بل هو وصف حكمي مستقل، والحروف أوصافها تنقسم إلى قسمين،
إلى أوصاف ذاتية للحروف وأوصاف عرضية فيها، فالأوصاف الذاتية هي التي
عقد لها هذا الباب والأوصاف العرضية ستأتينا بالتدريج في أبواب أخرى،
فالأوصاف العرضية كالتغليظ في الراء والترقيق فهو وصف عرضي، وكذلك
اللام فالتغليظ فيها التفخيم وصف عرضي وكذلك ما يشبه هذا كالإمالة مثلا
في الحرف الممال فهي صفة عرضية وهكذا، فإذن هذه هي الصفات العرضية
وستأتينا إن شاء الله، أما الصفات الذاتية فهي تنقسم إلى قسمين، إلى
الصفات المتضادة والصفات الانفرادية، صفات متضادة وصفات انفرادية،
فالصفات المتضادة إحدى عشرة صفة، والصفات الانفرادية سبع صفات، فالجميع
ثماني عشرة صفة، أولها الصفات المتضادة وقد بينها بقوله: صفاتها أي
صفات الحروف جهر ورخو مستفل منفتح مصمتة والضد قل يقول إن صفات الحروف
بدأها أولا بالصفات المتضادة وهي إحدى عشرة صفة ذكر منها خمسا وأشار
إلى أضدادها، فالخمس الأول هي الجهر وضده الهمس، والثاني الرخاوة وضدها