تعالى: ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء﴾، فهذان
وقفان ازدواجيان، فإذا قلت: ﴿وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه
أمدا بعيدا﴾ فهذا كلام مستقل، وإذا قلت: ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من
خير محضرا وما عملت من سوء﴾ فهذا أيضا كلام كامل، وهذا الاختلاف في
التفسير أن يكون القرآن محتملا للوجهين في التفسير من إعجازه، ونظيره
في المعنى الخلاف في عِلِّيِّين فعليون مختلف فيها ما هي، فقيل: جمع
عِلِّيِّ وهو أعلى الجنة، ومنه قول الشاعر:
كأن حوطا جزاه الله صالحة** وجنة ذات عِلِّيِّ وأشراع
لم يقطع الخرق تمسي الجن ساكنه** برسلة سهلة المرفوع هلواع
وجنة ذات علي وأشراع، فعلي جمعها عليون وهي أعلى الجنة، وقيل: عليون هو
الكتاب الذي تدون فيه أعمال أهل السعادة، هذان احتمالان في التفسير
وكلاهما يدل عليه شيء من الآية، فإنك إذا قلت ﴿إن كتاب الأبرار لفي
عليين﴾ هذا يدل على أنه مكان لوضع الكتاب وهو أعلى الجنة، وإذا قلت:
﴿وما أدراك ما عليون كتاب﴾ جعلت عليين هي الكتاب، فأنت على احتمالين
إذا فسرت عليين بأعلى الجنة تقول: ﴿إن كتاب الأبرار لفي عليين﴾ أي إن
موضع كتاب الأبرار المحل الذي يوضع فيه هو عليون وهو أعلى الجنة، ﴿وما
أدراك ما عليون كتاب﴾ أي محل كتاب وقد حذف المضاف وأقيم المضاف إليه
مقامه:
وما يلي المضاف يأتي خلفا** عنه في الاعراب إذا ما حذفا
كتاب مرقوم، وإذا قلت: كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين أي إن عملهم لفي
عليين فمعناه إن كتاب الأبرار أي إن كتابة عمل الأبرار فالكتاب بمعنى
الكتابة، وقد جاء إطلاق الكتاب على الكتابة في القرآن في عدد من
المواضع كقوله تعالى في سورة آل عمران ﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة
والإنجيل﴾ في ذكر المسيح بن مريم عليه السلام، فالمقصود بالكتاب هنا
الكتابة، فعيسى بن مريم هو أحسن خلق الله خطا، أحسن البشر خطا، فقد