أي أنه إذا حكى الأقوال ولم يبين الصحيح فتارة يلام عليه وتارة لا يلام، فإن كان يعلم الصحيح ولم يبينه فهذا قصور، وإن كان لا يعلم كما لو كان القولان عنده على حد سواء فإنه لا يلزم أن يبين، وهذا يقع حتى في كلام المؤلف أحياناً في الفتاوى وغيرها، يقول فيه قولان لأهل العلم، ثم يقول هذا قول الجمهور، وهذا قول فلان، وهذا قول مالك، وهذا قول الشافعي وما أشبه ذلك.
فالإنسان الذي يسوق الخلاف فإن من الأمانة أن ينقل جميع الأقاويل، لأنه كما قال الشيخ ربما يحذف من الأقاويل ما هو أصح، ثم إذا نقل الأقاويل فإن كان لديه حجة ترجح أحد الأقوال وجب عليه أن يبين الراجح حتى لا يدع السامع في حيرة، وإن كان لا يعلم فليس عليه بأس في أن يذكر الخلاف ولا يبين الراجح؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
* * *
كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً، ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيع الزمان وتكثر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثوبي زور، والله الموفق للصواب.
الشرح
والآية الكريمة التي ساقها المؤلف زعم بعض الناس أن أصحاب الكهف ليسوا سبعة وثامنهم كلبهم، وتشبثوا بقوله تعالي: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ)، وهذا لا شك أنه غلط في تفسير الاية، لأن الله تعالي قال: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ)، يعني وقد أبطل قولين وسكت عن الثالث، وعلى هذا فيكون الثالث هو الأصح، لأنه لو كان خلاف الأصح لبينه الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالي لا يعلم الأمر على خلاف ما هو عليه، ثم إنه قال: ( مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)، ولو كان المراد بقوله: (ْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم) مع أنه لا يعلمه أحد من الناس لكان متناقضا لقوله(مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيل) فالآية بلا شك تدل على أن أصحاب الكهف كانوا سبعة وكان ثامنهم كلبهم.