ولا يقال إن القرآن يختلف عن ذلك لكون الإنسان يثاب على تلاوته، فيقال إن القرآن له جهتان: جهة تعبد وجهة عمل وتنفيذ، فالأولى قد تحصل بأن يتعبد الإنسان لله عز وجل بقراءة القرآن. لكن الثانية التي نزل من أجلها (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) مفقودة في حق من لم يعرف معني القرآن ولم يتعظ به.
* * *
ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلاً جداً، وهو إن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر.
الشرح
وجه كون النزاع في التفسير في الصحابة أقل لسبين:
السبب الأول: أن القرآن نزل بلغتهم التي لم تتغير، فكانوا أفهم الناس لمعانيه، وأفضل له، ثم تغيرت الألسن بعدهم.
السبب الثاني: قلة الأهواء فيهم وسلامة قصدهم، فما تجد الرجل ينتصر لهواه ورأيه، ولكن كان الواحد منهم لا يقصد إلا الحق أينما وجده أخذه، حتى أن الخليفة يرجع إلي الحق الذي ذكرته به امرأة من النساء، ولم يقل أنا الخليفة لا يرد علي فأنا أعلم منها ولم يقل: أنا لي السلطة.
فلهذين السببين كان الخلاف بين الصحابة- رضوان الله عليهم- في تفسير كلام الله أقل.
ثم جاء التابعون من بعدهم فحصل نقص لا في السبب الأول ولا في السبب الثاني، بل إن التابعين كثرت الفتوح في زمنهم، واختلط العربي بالعجمي وتغيرت الألسن، وقد ذكر أن أول تأليف للنحو كان في عهد على بن أبي طالب رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon