ومع جزم الصحابي بما يقوله فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا تصديقهم، والمقصود أن مثل هذا الاختلاف الذي لا يعلم صحيحه ولا تفيد حكاية الأقوال فيه هو كالمعرفة لما يروى من الحديث الذي لا دليل على صحته وأمثال ذلك.
وأما القسم الأول الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود فيما يحتاج إليه ولله الحمد، فكثيراً ما يوجد في التفسير والحديث والمغازى أمور منقوله عن نبينا صلي الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، والنقل الصحيح يدفع ذلك؛ بل هذا موجود فيما مستنده النقل، وفيما يعرف بأمور أخرى غير النقل.
فالمقصود أن المنقولات التي يحتاج إليها في الدين قد نصب الله الأدلة على بيان ما فيها من صحيح وغيره، ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي، والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: (( ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي)) ويروي: (( ليس لها أصل)) أي: إسناد؛ لأن الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير (٢٣)، والشعبي (٢٤)، والزهري (٢٥)، وموسى بن عقبة (٢٦)، وابن إسحاق (٢٧)، ومن بعدهم، كيحيي بن سعيد الأموي (٢٨) والوليد بن مسلم، والواقدي (٢٩) ونحوهم من كتاب المغازي.
فإن أعلم الناس بالمغازى أهل المدينة، ثم أهل الشام، ثم أهل العراق.
الشرح
هذه فائدة مهمة جداً لأن أهل كل بلد وطائفة قد يكونون أعلم من البلد الآخر والطائفة الأخرى في شيء من مسائل الدين، فإذا قيل لك: من أعلم الناس بالمغازى؟ فكما قال الشيخ رحمة الله أهل المدينة، ثم أهل الشام ثم أهل العراق، وعلل الشيخ ذلك فقال:
* * *
فأهل المدينة أعلم بها؛ لأنها كانت عندهم، وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم، ولهذا عظم الناس كتاب أبي إسحاق الغزاري الذي صنفه في ذلك، جعلواالأوزاعي(٣٠) أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار.
الشرح