وهذا الأصل ينبغي أن يعرف، فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك، ولهذا إذا روى الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم من وجهين- مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر- جزم بأنه حق، لا سيما إذا علم أن نقلته ليسوا ممن يتعمد الكذب، وإنما يخاف على أحدهم النسيان والغلط، فإن من عرف الصحابة كابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة وغيرهم علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله. صلى الله عليه وسلم فضلاً عمن هو فوقهم، كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبرة باطنة طويلة أنه ليس ممن يسرق أموال الناس، ويقطع الطريق ويشهد بالزور، ونحو ذلك.
وكذلك التابعون بالمدينة ومكة والشام والبصرة، فإن من عرف مثل أبي صالح السمان (٣٩) والأعرج (٤٠) وسليمان بن يسار (٤١) وزيد بن أسلم وأمثالهم علم قطعاً أنهم لم يكونوا ممن يتعمد الكذب في الحديث، فضلاً عمن هو فوقهم مثل محمد بن سرين (٤٢) والقاسم بن محمد (٤٣) أو سعيد بن المسيب (٤٤) أو علقمه (٤٥) أو الأسود (٤٦) أو نحوهم.
وإنما يخاف على الواحد من الغلط فإن الغلط والنسيان كثيراً ما يعرض للإنسان، ومن الحفاظ من قد عرف الناس بعده عن ذلك جداً، كما عرفوا حال الشعبي والزهري وعروة وقتادة (٤٧) والثوري (٤٨) وأمثالهم، لا سيما الزهري في زمانه والثوري في زمانه.
فإنه قد يقول القائل: إن ابن شهاب الزهري، لا يعرف له غلط مع كثرة حديثه وسعة حفظه (٤٩).


الصفحة التالية
Icon