قلت: إطلاقه وعدم تقييده دل على ذلك؛ لأنه ليس بعضه أولى به من بعض فإن ما يذكره في أبواب الأصول لنسبته إلى المواضع كلها سواء، ولهذا قال: "أرجئه" ولم يبين أنه في سورتين، وإنما يحتاج إلى قوله: معا وجميعا في فرش الحروف؛ لئلا يظن أن ذلك مختص بما في تلك السورة دون غيرها، هذا هو الغالب من أمره، وقد جاء في بعض المواضع مقيدا في الأصول كقوله: "تسؤ، ونشأ" ست وعشر، "يشأ، ونبى" بأربع "وأرجى" معا "وأقرأ" ثلاثا، ولم يستوعب التقييد في هذه المواضع المستثناة فقال بعد ذلك: "ومؤصدة"، ولم يقل معا فأطلق على الأصل، وجاء الإطلاق في الفرش في مواضع مع عموم الحكم كالتوراة، وكائن: على ما يأتي، وإسكان هاء الكناية لغة محكية سواء اتصلت بمجزوم أو غيره كقوله: وأنشده ابن مجاهد:

وأشرب الماء مائي نحوه عطش إلا لأن عيونه سيل واديها
ولم يسكنها القراء إلا في المجزوم كالكلمات المذكورة ووجه الإسكان تشبيه هاء الضمير بألف وواوه ويائه فأسكنت أو اسنثقلت صلتها فأسكنت كما فعل في ميم الجميع أو وصلت بنية الوقف وهذه الوجوه الثلاثة تعم المجزوم وغيره.
وفي المجزوم وجهان آخران:
أحدهما أنها سكنت تنبيها على الحرف المحذوف قبلها للجزم.
والثاني أنها سكنت لحلولها محله، ونبه بقوله صافيا حلا على صحة هذه القراءة وحسن وجهها في العربية وإن كانت قد جاءت على خلاف المعهود في هاءات الكناية من التحريك والصلة وصافيا نعت المفعول المحذوف أي لفظا صافيا حلوا أو يكون حالا من فاعل فاعتبر: أي اعتبر المذكور في حال صفاء ذهنك وباطنك من النفرة منه وحلاوة عبارتك في ذكر دليله أو يكون حالا من مفعول فاعتبر المحذوف إن قدرته معرفة أي فاعتبر المذكور في حا صفائه وحلاوته فيعود المعنى إلى ما ذكرناه في الوجه الأول أو أراد فاعتبر نظما صافيا حلوا.
ووجهه ما ذكرناه من أنه لفظ في هذا البيت بوجوه الاختلاف الثلاثة في هذه الكلمات ونحوه والله أعلم وأحكم.
١٦١-
وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ [حَ] مى [صَ] فْوَهُ [قَ] وْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلاَ
أي وعن من تقدم ذكرهم وعن حفص إسكان قوله تعالى:
﴿فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ ١.
في سورة النمل، والتقدير: وسكن فألقه عنهم وعن حفص فيكون عطفا على قوله وسكن يؤده وقد تقدم في شرح الخطبة أن ضمير من تقدم رمزه نازل منزلة المسمى بصريح لفظه لا منزلة الرمز فلهذا جمع بين الضمير في وعنهم وبين قوله وعن حفص فصار على إسكان فألقه عاصم بكماله وأبو عمرو وحمزة وقوله ويتقه مبتدأ وليس عطفا على فألقه والواو من نفس التلاوة أراد قوله تعالى في سورة النور:
١ سورة النمل، آية: ٢٨.


الصفحة التالية
Icon