سورة النساء:
٥٨٧-

وَكُوفِيُّهُمْ تَسَّاءَلُونَ مُخَفَّفًا وَحَمْزَةُ وَالأَرْحَامَ بِالخَفْضِ جَمَّلا
نصف هذا البيت هو نصف هذه القصيدة؛ أي: الكوفيون قرءوا تساءلون بالتخفيف، والأصل: تتساءلون فمن خفف حذف التاء الثانية، ومن شدد أدغمها في السين، وله نظائر مثل: "تذكرون" "تزكى" تصدى، وأما قراءة والأرحام بالنصب، فعطف على موضع الجار والمجرور أو على اسم الله تعالى؛ أي: واتقوا الأرحام؛ أي: اتقوا حق الأرحام فصلوها ولا تقطعوها، وفي الحديث: "أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها من اسمي من قطعها قطعته"، فهذا وجه الأمر بالتقوى فيها مع لله تعالى وقرأها حمزة والأرحام بالجر وعبر الناظم عنه بالخفض، واستحسنه الشيخ هنا، وقال: فيه تورية مليحة؛ لأن الخفض في الجواري الختان وهو لهن جمال والخفض الذي هو الإعراب جمال الأرحام لما فيه من تعظيم شأنها، قلت: يعني: بسبب عطفها على اسم الله تعالى أو بسبب القسم بها، وبهذين الوجهين عللت هذه القراة، وفي كل تعليل منهما كلام، أما العطف فالمعروف إعادة حرف الجر في مثل ذلك كقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ ونحو ذلك، وقال الزجاج: القراءة الجيدة نصب الأرحام، المعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها، فأما الخفض فخطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار شعر، وخطأ أيضا في أمر الدين عظيم؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحلفوا بآبائكم"، فكيف يكون تتساءلون بالله والأرحام على هذا قال: ورأيت إسماعيل بن إسحاق ينكر هذا، ويذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم، وأن ذلك خاص لله تعالى على ما أتت به الرواية، فأما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض، قال بعضهم: لأن المخفوض حرف متصل غير منفصل فكأنه كالتنوين في الاسم، فقبح أن يعطف اسم يقوم بنفسه على اسم لا يقوم بنفسه، وقال المازني كما لا تقول مررت بزيد وبك، لا تقول مررت بك وزيد، قلت: هاتان العلتان منقوضتان بالضمير المنصوب، وقد جاز العطف عليه فالمجرور كذلك، وأما إنكار هذه القراءة من جهة المعنى لأجل أنها سؤال بالرحم وهو حلف، وقد نهي عن الحلف بغير الله تعالى، فجوابه أن هذا حكاية ما كانوا عليه، فحضهم على صلة الرحم ونهاهم عن قطعها، ونبههم على أنها بلغ من حرمتها عندهم أنهم يتساءلون بها، ثم لم يقرهم الشرع على ذلك بل نهاهم عنه، وحرمتها باقية وصلتها مطلوبة وقطعها محرم، وجاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية عند حثه على الصدقة يوم قدم عليه وفد مضر، وهو إشارة إلى هذا سواء كان قرأها نصبا أو خفضا فكلاهما محتمل، وخفي هذا على أبي جعفر النحاس، فأورد هذا الحديث ترجيحا لقراءة النصب، ولا دليل له في ذلك، فقراءة النصب على تقدير: واتقوا الأرحام التي تتساءلون بها، فحذف استغناء بما قبله عنه، وفي قراءة الخفض حذف: واتقوا الأرحام ونبه بأنهم يتساءلون بها على ذلك، وحسن حذف الياء هنا أن موضعها معلوم فأنه كثر على ألسنتهم قولهم: سألتك بالله والرحم وبالرحم فعومل تلك المعاملة مع الضمير فهو أقرب من قول رؤبة خير لمن قال له: كيف أصبحت؛ أي: بخير لما كان ذلك معلوما، قال الزمخشري في كتاب الأحاجي في قولهم لا أبا لك: اللام مقدرة منوية وإن حذفت من اللفظ الذي شجعهم على حذفها شهرة


الصفحة التالية
Icon