أراد "نفسا زاكية"، وكلتا القراءتين ظاهرة، الزاكي والزكي واحد، ومثل هاتين القراءتين ما سبق في المائدة؛ "قاسية"، "وقسية"، وقوله: ﴿قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾ تشديد نونه من جهة أن نون "لدن" ساكنة ألحق بها نون الوقاية؛ لتقي نونها من الكسر الواجب قبل ياء المتكلم في الحروف الصحيحة كما فعل ذلك في "مِنْ" و"عَنْ"؛ محافظة على سكونها فاجتمع نونان، فأدغمت نون "لدن" في نون الوقاية، ونافع لم يلحق نون الوقاية، فانكسرت نون "لدن"، وإذا كان قد حذفها من: "أَتُحَاجُّونِي"، "وتبشرون" مع كونها قد اتصلت بنون رفع الفعل فحذفها من هذا أولى، وإلى في آخر البيت واحد الآلاء وهي النعم، قال الجوهري: واحدها ألى بالفتح وقد تكسر وتكتب بالياء مثاله معي وأمعاء، وإعراب صاحبه مبتدأ وإلى خبره؛ أي: ذو إلى؛ أي: ذو نعمة، ويجوز أن يكون صاحب فاعل خف وإلى حال؛ أي: ذا نعمة، ثم بين قراء أبي بكر فقال:
٨٤٧-
وَسَكِّنْ وَأَشْمِمْ ضَمَّةَ الدَّالِ "صَـ"ـادِقًا | تَخِذْتَ فَخَفِّفْ وَاكْسِرِ الْخَاءَ "دُ"مْ "حُـ"ـلا |
قلت: وجه اختلاس الضمة هنا أظهر منه هناك من جهة أن كسر النون هناك إنما كان؛ لالتقاء الساكنين فلو لم تكن الدال ساكنة سكونًا محضًا لم يحتج إلى كسر النون وبقيت على سكونها وهنا كسر النون؛ لأجل إيصالها بياء المتكلم كما أن نافعا يكسرها مع إشباعه لضمة الدال غير أن الظاهر أن قراءته في الموضعين واحدة، وقد بان أن الصواب ثم الإشارة بالعضو فكذا هنا والله أعلم.
وأما: "لتخذت عليه أجرا" فخفف التاء وكسر الخاء ابن كثير وأبو عمرو، فيكون الفعل تخذ مثل علم، قال أبو عبيد: هي مكتوبة هكذا وهي لغة هذيل، وقرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء، فيكون الفعل اتخذ نحو: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾، ﴿وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾، وذلك كثير في القرآن ماضيه ومضارعه نحو: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ﴾، وتلك اللغة لم يأتِ مضارعها في القرآن ولا ماضيها في غير هذا الموضع، وإعراب قوله: دم حلا كإعراب دم يدا؛ أي: ذا حلا أو يكون تمييزا نحو: طب نفسًا، والله أعلم.
٨٤٨-
وَمِنْ بَعْدُ بِالتَّخْفِيفِ يُبْدِلَ هَهُنَا | وَفَوْقَ وَتَحْتَ الْمُلْكِ "كَـ"ـافِيهِ "ظَـ"ـلَّلا |