ومثله:

فأبلوني بليتكمُ لعلي أصالحكم وأستدرجْ نويا
قال: حمل واستدرج على موضع الفاء المحذوفة وما بعدها من "لعلى"، واختار أبو عبيد هذه القراءة؛ لاتفاق المصاحف على كتابة هذا الحرف بحذف الواو قال: وفي القرآن ما لا يحصى من تكون ويكون في موضع الرفع والنصب لم تحذف الواو في شيء منها إنما حذفوا في موضع الجزم خاصة قال: وكان من حجة أبي عمرو فيها أن قال إنما حذفت الواو اختصار في الخط كما حذفوها في كلمن وكان أصلها أن تكون بالواو.
قلت: وكذلك كان يقول في: ﴿إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ﴾ إن الياء حذفت في الرسم فلهذا يحكي عنه أنه قال: ما وجدت في القرآن لحنا غير: ﴿إِنْ هَذَانِ﴾ و ﴿أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ ؛ يعني: في كتابة القرآن، ووجه حذفهما على قراءته أنهما من حروف المد فكما تحذف الألف كثيرا اختصارا فكذا أختاها، وقد قال الفراء: العرب قد تسقط الواو في بعض الهجاء كما أسقطوا الألف من سليمان وأشباهه قال: ورأيت في مصاحف عبد الله: "فقولا" فقلا بغير واو "ف ق ل ا".
قلت: والاعتماد في القراءتين على صحة النقل فيهما وإنما هذا اعتذار عن الخط، وقوله: حفلا جميع حافل، وهو حال من فاعل وانصبوا؛ أي: متمكنين بكثرة العلم وسعته من توجيه القراءتين.
١٠٧٤-
وَبَالِغُ لا تَنْوِينَ مَعْ خَفْضِ أَمْرِهِ لِحَفْصٍ وَبِالتَّخَّفِيفِ "عَـ"ـرَّفَ "رُ"فِّلا
أي: لا تنوين فيه؛ لأنه مضاف إلى ما بعده، والكلام في: ﴿بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ كما سبق في متم نوره والتشديد في: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ﴾ ١ سورة التحريم بمعنى أعلم إعلام متابعة فأعرض عن بعض أو أغضا عنه إحسانا وتكرما، ولهذا قيل: ما زال التثاقل من شأن الكرام.
ومعنى عرف بالتخفيف جازى وهو إشارة إلى ذلك القدر من المعاتبة أو إلى غيره، ومنه: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ ٢.
ويطلق هذا اللفظ أيضا مشعرا بالوعد والوعيد فيقال عرفت ما صنع فلان ومنه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ٣.
قال الفراء: عرف بالتخفيف؛ أي: غضب من ذلك، وجازى عليه كما تقول للرجل يسيء إليك: لأعرفن لك ذلك وهو وجه حسن وتقدير النظم وعرف: رفل بالتخفيف؛ أي: عظم.
١٠٧٥-
وَضُمَّ نَصُوحًا شُعْبَةٌ مِنْ تَفَوُّتٍ عَلَى القَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ "شَـ"ـقَّ تَهَلُّلا
قال أبو الحسن والأخفش: نصحته في معنى صدقته، توبة نصوحا؛ أي: صادقة، وقال: الفتح كلام العرب
١ آية: ٣.
٢ سورة البقرة، آية: ١٩٧.
٣ سورة النساء، آية: ٦٣.


الصفحة التالية
Icon