فضيلة الذكر فمن اشتغل عنه بالقرآن فهو أفضل، ويجوز أن تعود على من؛ أي: من كف لسانه عنه؛ أي: أذاه؛ لأن أكثر كلام الإنسان عليه لا له فإذا اشتغل بالقرآن أو الذكر انكف عما يتوقع منه الضرر فصح معنى عنه بهذا التفسير.
وفي الحديث عن أم حبيبة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر، وذكر الله"، وفي الكتاب المذكور للحافظ أبي العلا عن أبي هريرة مرفوعا: "أعبد الناس أكثرهم تلاوة للقرآن" وفيه عن أنس مرفوعا: "أفضل العبادة قراءة القرآن" وتلاوة القرآن أحب إلي، قال أبو يحيى الحمامي: سألت سفيان الثوري عن الرجل يقرأ القرآن أحب إليك أم يغزو؟ قال: يقرأ القرآن فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
قلت: هذا حديث صحيح أخرجه البخاري، وقد جمع الحافظ أبو العلا طرقه في أول كتاب الوقف المذكور. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: رأيت رب العزة في المنام فقلت: يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك؟ فقال: كلامي يا أحمد، فقلت: يا رب بفهم أو بغير فهم؟ فقال: بفهم وبغير فهم، قلتُ: فكل هذا مما يوضح لنا أن تلاوة القرآن من أعظم الذكر كما قال الشافعي -رضي الله عنه- لأنه يجمع الذكر باللسان وملاحظة القلب أنه يتلو كلام الله -عز وجل- ويؤجر عليه بكل حرف عشر حسنات على ما ثبت في أحاديث أخر.
١١٢٥-

وَمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلا افْتِتَاحُهْ مَعَ الْخَتْمِ حِلًّا وَارْتِحالًا مُوَصَّلا
أي: افتتاح القرآن مع ختمه؛ أي: حاله ختمه للقرآن يشرع في أوله فقوله: موصلا حال من الضمير في افتتاحه العائد على القرآن؛ أي: في حال وصل أوله بآخره وقوله: حلا وارتحالا من باب المصدر المؤكد لنفسه؛ لأن الحل والارتحال المراد بهما افتتاحه مع الختم فهو نحو له على ألف درهم عرفا، وأشار بذلك إلى حديث روي من وجوه عن صالح عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن ابن عباس قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله -عز وجل؟ قال: "الحال المرتحل" أخرجه أبو عيسى الترمذي في أبواب القراءة في أواخر كتابه فقال: حدثنا نصر بن على الجهضمي قال: حدثنا الهيثم بن الربيع حدثني صالح المري فذكره، ثم قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. حدثنا محمد بن بشار حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر فيه عن ابن عباس قال: وهذا عندي أصح؛ يعني: أنه من حديث زرارة وليس له صحة إلا من حديث ابن عباس وكيف ما كان الأمر فمدار الحديث على صالح المري وهو وإن كان عبدا صالحا فهو ضعيف عند أهل الحديث، قال البخاري في تاريخه هو منكر الحديث، وقال النسائي: صالح المري متروك الحديث.
ثم على تقدير صحته فقد اختلف في تفسيره فقيل: المراد به ما ذكره الفراء على ما يأتي بيانه وقيل: بل هو إشارة إلى تتابع الغزو وترك الإعراض عنه فلا يزال في حل وارتحال وهذا ظاهر اللفظ؛ إذ هو حقيقة في ذلك وعلى ما أوله به الفراء يكون مجازا، وقد رووا التفسير فيه مدرجا في الحديث، ولعله من بعض رواته.


الصفحة التالية
Icon