عند ذكر الحروف الحلقية فقال: الهمزة والألف والهاء كذلك عبر عنه سيبويه وغيره فعدل الناظم إلى تقديم الهاء على الألف؛ لأنه لم يطاوعه كلمة مستعملة على ذلك الترتيب ولو فرض أن أهع له معنى لما كان محصلا للغرض؛ لأن المدة بعد الهمزة لا يتفطن لها أنها مقصودة حرفا ولهذا يسقط من الرسم ألا ترى أنه إذا كتب اسم آدم لم يكتب بعد الهمزة إلا الدال وسقطت المدة وإذا قيل: أهاع كان ستافي تعداد الحروف ومعنى أهاع أفزع من قولهم هاع ويهيع ويهاع إذا جبن ومنه الهيعة لكل ما أفزعك من صوت أو فاحشة تشاع، ويقال: هاع يهوع إذا فاء وكلاهما محتمل هنا في قوله: هاع على ما نبينه والحشاء ما انضمت الضلوع عليه والجمع أحشاء والغاوي اسم فاعل من غوي يغوى غيا؛ أي: ضل وحشى غاو هو مفعول أهاع مقدم على فاعله، والفاعل قوله: خلا قارئ، والخلا بالقصر: الرطب من الحشيش، والرُّطب بضم الراء: الكلأ، ويقال فلان حسن الخلاء؛ أي: طيب الكلام يكنى بذلك عن جودة قراءته وطيب حديثه وكنى به الناظم عن جودة قراءة القارئ وما بجنيه ساقها من التلذذ بها؛ أي: إن قراءة هذا القاريء أفرغ حشا القاريء الضال المنهمك في طغيانه فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها فقد ظهر وجه التجوز بالمعنيين في أهاع ثم قال كما جرى شرط يسري ضارع وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا؛ أي: ييسر من سمع منه ذلك لليسرى، ويحكى عن قراءة صالح المري من هذا الباب عجائب وهو أحد الأئمة المتقدمين السادة -رحمه الله- تعالى والنوفل الكثير العطاء؛ أي: لاح هذا القاريء كثير الفوائد والله أعلم.
١١٥٠-
"رَ"عى "طُـ"ـهْرَ "دِ"ينٍ "تَـ"ـمَّهُ "ظِـ"ـلُّ "ذِ"ي "ثَـ"ـنا | "صَـ"ـفَا "سَـ"ـجْلُ "زُ"هْدٍ "فِـ"ـى "وُ"جُوهِ "بَـ"ـنِى "مَـ"ـلا |
إن قلت يوما نعم فتم بها
أي: أتمها فيكون مثل ذهبت به؛ أي: أذهبته، فقول الشاطبي هنا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم -رحمه الله- حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته، فقوله: سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف، وقال الشيخ: التقدير: صفا سجل زهده ثم قال: في وجوه؛ أي: هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك؛ أي: هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال:
١١٥١-
وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ | سَكَنَّ وَلا إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلى |