قلت: وأكثر المصنفين من النحاة والقراء لا يصفون بالانحراف إلا اللام وحدها، وعبارة سيبويه دالة على ما قال الناظم فإنه قال لما ذكر اللام والنون والميم وبين أنها من الرخوة والشديدة ومنها المكرر وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام فتجافى الصوت كالرخوة ولو لم يكرر لم يجر فيه الصوت وهو الراء فهذا معنى قول الناظم وراء وكررت؛ أي: جمعت بين صفتي الانحراف والتكرير، قال مكي: التكرير تضعيف يوجد في جسم الراء لارتعاد طرف اللسان بها ويقوى مع التشديد ولا يبلغ به حد بفتح وقال ابن مريم إذا وقف الواقف على الراء وجد طرف اللسان يتير بما فيه من التكرير ولذلك يعد في الإمالة بحرفين والحركة فيه تنزل منزلة حركتين وقال الشيخ أبو عمرو: والمكرر الراء لما تحسه من شبه ترديد اللسان في مخرجه عند النطق به ولذلك أجرى مجرى الحرفين في أحكام متفددة فحسن إسكان: ينصركم ويشعركم ولم يحسن إسكان يقتلكم ويسمعكم، وحسن إدغام مثل: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم أحسن منه في إن يمسكم ولم يمل طالب وغانم وأميل طارد وغارم وامتنعوا من إمالة راشد ولم يمتنعوا من إمالة راشد وكل هذه الأحكام راجعة في المنع والتسويغ إلى التكرير الذي في الراء قال الشيخ وسمى الضاد مستطيلا؛ لأنه استطال حتى اتصل بمخرج اللام قال مكي: والاستطالة تمدد عند بيان الضاد للجهر والإطباق والاستعلاء وتمكنها من أول حافة اللسان إلى منتهى طرفه فاستطالت بذلك فلحقت بمخرج اللام ومعنى ليس بأغفلا؛ أي: معجم احترز بذلك من الاشتباه بالصاد.
١١٥٨-
كَمَا اْلأَلِفُ الْهَاوِي وَ"آوِي" لِعِلَّةٍ | وَفِي "قُطْبِ جَدٍّ" خَمْسُ قَلْقَلَةٍ عُلا |
أي: ويقال لحرف الألف الهاوي قال سيبويه هو حرف تسع لهواء الصوت مخرجه أشد من اتساع مخرج الياء والواو؛ لأنك قد تضم شفتيك في الواو وترفع في الياء لسانك قبل الحنك وقال الشيخ أبو عمرو: الهاوي الألف؛ لأنه في الحقيقة راجع إلى الصوت الهاوي الذي بعد الفتحة وهذا وإن شاركه الواو والياء فيه إلا أنه يفارقها من وجهين أحدهما ما تحسه عند الواو والياء من التعرض لمخرجيهما والآخر اتساع هواء الألف؛ لأنه صوت بعد الفتحة فيكون الفم فيه مفتوحا بخلاف الضمة والكسرة فإنه لا يكون كذلك فلذلك اتسع هواء صوت الألف أكثر في الواو والياء وقوله: وآوى لعلة؛ أي: حروف كلمة آوى وهو فعل مضارع للإخبار عن المتكلم من آوى ويؤاوي فهو أربعة أحرف همزة ثم ألف وواو وياء ومعنى لعلة؛ أي: هي حروف العلة؛ أي: متهيئة لذلك معدة له يريد أنها حروف العلة؛ أي: الاعتلال لما يعتريها من القلب والإبدال على ما هو معروف في علم التصريف ولم يعد أكثر المصنفين حروف العلة إلا ثلاثة، وزاد الناظم فيها الهمزة لما يدخلها من أنواع التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب، ومنهم من عد الهاء منها؛ لانقلابها همزة في نحو ماء وأيهات، وتسمى أيضا الحروف الثلاثة الهوائية؛ لأنها تخرج في هواء الفم قال ابن مريم الشيرازي: وقد يقال لها أيضا الهاوية؛ لأنها تهوى في الفم وليس لها حياز من الفم يعتمد في خروجها عليها قال وبعض النحويين يجعل الألف وحده هو الهاوي قال ولا شك في أن الألف أشد هويا في الفم؛ لأنه أشد امتدادا واستطالة فهو يتمحض للمد، ثم ذكر الناظم حروف القلقلة وهي خمسة وجمعها في قوله: قطب جد وهذا جمع حسن، وقال غيره: جد بطق وقد طبج، ومعنى طبج حمق وهو بكسر الباء ومنهم من يفتحها وفسره بعاب وأضاف خمس إلى القلقلة كما أضاف في سبع ما سبق علو وعلا نعت لقوله: خمس قلقلة؛ أي: خمس عالية؛ أي: معروفة ظاهرة؛ لأن العالي أبدا ظاهرا قال الداني هي حروف مشربة ضغطت من مواضعها فإذا وقف عليها خرج معها صوت من الفم ونبا اللسان عن موضعه وقال مكي القلقلة صويت حادث عند خروج حرفها لضغطه عن موضعه ولا يكون إلا عند