وهو تحريك ما قبل القاف وفقد الشرط الثاني وهو الميم، ولكن قام مقامها ما هو أثقل منها وهو النون؛ لأنها متحركة ومشددة ودالة على التأنيث والميم ساكنة خفيفة دالة على التذكير، فهذا وجه الأحقية بذلك، والناظم جعله قد ثقل بالتأنيث والجمع، أما التأنيث فهو ما أشرنا إليه وهو أحد أسباب الترجيح الثلاثة، وأما الجمع فمشترك فإن الميم أيضا دالة على الجمع فإن أردت نظم المرجحات الثلاثة فقل:
وطلقكن ادغم أحق فَنُونُه... محركة جمع المؤنث ثقلا
أي هو أحق: يعني الإدغام ومحركة وما بعدها أخبار لقوله: فنونه والنون تؤنث وتذكر فلهذا أنث محركة وذكر ثقلا، وكان ابن مجاهد وعامة أصحابه يظهرونه لما يلزم في الإدغام من توالي ثلاثة أحرف مشددة اللام والكاف والنون.
واختلف الرواة عن أبي عمرو في إدغامه، واختلف المشايخ في الاختيار من ذلك؛ فمنهم من أظهره للاستثقال المذكور ومنهم من دغمه، وقال: هو أحق لما تقدم ذكره، وقول الناظم: ذي التحريم أي صاحب التحريم أي الحرف الذي في سورة التحريم، وقوله: ﴿طَلَّقَكُنّ﴾ بيان له.
١٣٦-
وَمَهْماَ يَكُونَا كِلْمَتَيْنِ فَمُدْغِمٌ... أَوَائِلِ كِلْمِ البَيْتِ بَعْدُ عَلَى الوِلاَ
أي ومهما يكن المتقاربان ذوي كلمتين: أي إذا التقيا في كلمتين على حد التقاء المثلين فيما تقدم فأبو عمرو مدغم من ذلك الحروف التي هي أوائل كلم البيت الآتي عقيب هذا البيت فهذا معنى قوله: بعد على الولا أي بعد هذا البيت وهو الذي يليه، والولاء المتابعة، وهو ممدود وقف عليه، وأبدل همزه فانقصر وأراد خذ كلم هذا البيت الآتي على الولاء أي استوعبها يتلو بعضها بعضا، والكلم جمع كلمة كلاهما بفتح الكاف، فكسر اللام ويجوز فيهما إسكان اللام ونقل حركتها إلى الكاف فتكسر فعلى هذا استعملهما في هذا البيت وغيره والكلمة في عرف القراء الحروف المتصلة ما لم يحسن قطع شيء منها مما قبلها فنحو: "خلقكم، وطلقكن" كلمة وهي كلمات عند أهل النحو وبما ومنه كل واحدة عندهم كلمتان وهي في العرف كلمة.
والغرض من هذا أن تعلم أن كلمات البيت الآتي التي تأخذ حروفها الأوائل ست عشرة كلمة فخذ منها ستة عشر حرفا ثم ذكرها فقال:
١٣٧-
"شِـ"ـفَا "لَـ"ـمْ "تُـ"ـضِقْ "نَـ"ـفْسًا "بِـ"ـهَا "رُ"مْ "دَ"وَا "ضَـ"ـنٍ
"ثَـ"ـوَى "كَـ"ـانَ "ذَ"ا "حُـ"سْنٍ "سَـ"ـأى "مِـ"ـنْهُ "قَـ"ـدْ "جَـ"ـلاَ
اعلم١ أنه أتى في مثل هذا البيت الذي يذكر فيه كلما لأجل حروف أوائلها تضمنها معاني قصدها من غزل ومواعظ؛ لئلا يبقى كلاما منتظما صورة لا معنى تحته وقد ضمن هذا البيت التغزل بامرأة من نساء الآخرة وسماها شفا، وقد سمت العرب بذلك النساء، وكثر في أمهات القرشيين وهو ممدود وقصره ضرورة، ولم ينونه؛ لأنه جعله علما على مؤنث، وقوله: لم تضق نفسا أي أنها حسنة الخلق ونصب نفسا على التمييز، ورم أي اطلب بها أي بوصلها وقربها دواء ضن وقصر دواء ضرورة أي دواء رجل ضن على أنه اسم منقوص، ولو قال

١ "قوله: اعلم... إلخ" كذا بالنسخ التي بأيدينا، ولعل الصواب أن مثل هذا البيت يذكر فيه إلخ فيكون بذكر خبر أن اهـ ضباع.


الصفحة التالية
Icon