وهذه الآية الكريمة مفصلة لحكم صنفين من المسلمين، الراسخون في العلم، وغيرهم، فأهل الرسوخ أخبر الله عن مقالته أنهم يقولون :( آمنا به كل من عند ربنا ). فالمحكم والمتشابه من عند ربنا ونحن نؤمن بهما. و لأن المعنى على الوقف على :( إلا الله ) أظهر إعرابا وأقيس في العربية (١) فـ(الراسخون في العلم ) مبتدأ خبره :
( يقولون آمنابه ) كما تقدم. وهذا الإعراب هو الظاهر وإن جعلت الواو عاطفة فـ
﴿ يقولون ﴾ حال، وقيل : خبر والمبتدأ محذوف (٢).
قالوا : ولم يقل الله تعالى ( والراسخون في العلم يقولون علمنا به ). وجرى هذا مجرى قول القائل : ما يعلم ما في البيت إلا زيد وعمرو يقول: آمنا به. ومعناه أنه مصدق له، ولا يقتضي مشاركته في العلم بما في البيت (٣).
القول الثاني :
أن يصل القارئ ثم يقف على قوله تعالى :﴿ والراسخون في العلم ﴾ وعليه فالراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه ويقولون آمنا به، وهم بذلك داخلون في الاستثناء. وهذا قول مجاهد ورواه عن ابن عباس قال :(( أنا ممن يعلم تأويله )) (٤) وبه قال : محمد بن جعفر بن الزبير والربيع بن أنس و ابن قتيبة وعلي بن سليمان الأخفش وأبو سليمان الدمشقي واختاره أيضا : الخطيب البغدادي في كتابه الفقيه والمتفقه وابن الحاجب والنووي (٥).

(١) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ١٠ و البحر ٢ / ٣٨٤ و التحرير شرح التحبير للمرداوي ٣ / ١٤١٤
(٢) إعراب القرآن لابن النحاس ١ /٣٥٦ والبحر ٢ /٣٨٤
(٣) العدة لأبي يعلى ٢ / ٦٩٠ وشرح الكوكب المنير لابن النجار ٢ /١٥٠
(٤) تفسير الطبري ٢ / ٢٠٣
(٥) ينظر :( القطع ص٢١٣ و الفقيه والمتفقه ١ / ٦٣و زاد المسير ١ / ٣٥٤ و شرح صحيح مسلم ١٦ /٤٣٤ والإتقان ٢ / ٢-٣ وتنبيه الغافلين ١٢٥ – ١٢٦ ).


الصفحة التالية
Icon