لم نسمع أن أحداً من كفار مكة قال هذه المقولة، مع أنهم كانوا في بداية أمرهم، يقولون ما يقوله اليوم المستشرقون بأن القرآن الكريم ليس وحياً.
إن كفار مكة لم يروا في القرآن اضطراباً في الأسلوب، ولا تناقضاً في المضمون، وقد كانوا يشعرون أن القرآن قادم إليهم بقوة وثبات، ليغير واقعاً بكل ما فيه، وينشئ واقعاً جديداً، وهم لا حول لهم ولا قوة.
ليس يتعذَّر على منصف، أن يضع الأمور في نصابها، وأن يميز بين ما هو تفسير مقنع للأحداث، وبين ما هو تفسير متعسف لها بغية الترويج لمقررات سابقة، أو التشكيك في الثوابت.
يحار المرء في تصور طروحات المستشرقين، وهو يرى القرآن الكريم يخوض معارك ضارية مع كفار قريش، على الجهات كلها العقدية، والاجتماعية، والاقتصادية، حتى لم يبق صاحب نفوذ، أو مصلحة إلاَّ ناله من القرآن الكريم ما ناله، جرَّاء معتقد فاسد، أو مسلك مشين أو تصور منحرف.
وتكررت المشاهد في المدينة، فما إن استقر الرسول ﷺ فيها، حتى خاض معركة حامية الوطيس مع اليهود، وقد كانوا أصحاب نفوذ وتأثير.
نزل القرآن الكريم في المدينة أول ما نزل يشنِّع على اليهود، ويكشف انحرافاتهم، ويدعو إلى مخالفتهم بما سيأتي مزيد بيان له، فكيف يسوغ مع هذا القول بأن القرآن الكريم تأثر بهذه البيئات؟!


الصفحة التالية
Icon