لكنا نثبت في مقابل هذا أن ثمة سوراً قصيرة، وآياتها كذلك قصيرة، وهي مدنية: إما باتفاق كالزلزلة والنصر، وإما أنها مدنية على التحقيق _ كما بدا لي _ مثل سورة الكوثر وهي أقصر سورة في القرآن، فالراجح أنها مدنية(١)، ويشهد لهذا ما ورد في ((صحيح مسلم)) عن أنس بن مالك قال: ((بَيْنَا رسول الله ﷺ ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسِّماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت عليَّ آنفاً سورةٌ فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر...)) (٢) وأنس مدني، أسلم بعد الهجرة، والنص صريح ولا يُدفع بالقول: إنها نزلت مرتين، فهي حجة ضعيفة، وبخاصة أن سياق الحديث يأباها.
ومثلها سورة العاديات، فقد ورد عن أنس بن مالك، وابن عباس وقتادة أنها مدنية، وقال المحقق ابن عاشور: وهو الراجح، استناداً إلى حديث ورد بسبب نزولها(٣).
وكذا المعوذتان، فالمختار عند أهل التحقيق، أنهما مدنيتان، لأنهما نزلتا في قصة سحر لبيد بن الأعصم اليهودي (٤).
ومثل هذا كذلك سورة التكاثر، فإنه وإن كان المشهور أنها مكية كسابقاتها، إلا أن المختار أنها مدنية، لما في ((صحيح البخاري)) عن أبي بن كعب ـ المدني الأنصاري ـ قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت
ژ ژ ڑ ژ يعني: ((لو أنَّ لابن آدم وادياً من ذهب))(٥)، وساق السيوطي أدلة أخرى تؤكد أنها مدنية(٦).
(٢) رواه مسلم في كتاب الصلاة، برقم ٨٩٤.
(٣) التحرير والتنوير، ج ٣٠ ص ٤٩٧.
(٤) تفسير ابن كثير، ص ٢٠٥١، الإتقان، ج١ ص ١٤.
(٥) رواه البخاري في كتاب الرقاق، برقم ٦٤٤٠.
(٦) تفسير ابن كثير ٢٠٢٦، الإتقان، ج١ ص ١٤.