إن قول المستشرقين أمثال تسدال، وماسيه، ونولدكه، ولامنْز (١): إن النبي ﷺ أفاد من اليهود في الأحكام والتشريعات، قول خلف، لا خطام له ولا زمام، تردُّه أدلة وبراهين لا تخفى على منصف، ولن يغره اتفاق القرآن مع التوراة في أصل بعض الأخبار، كقصة آدم، وإبراهيم، فإن مصدرهما واحد وهو الله.
لقد بدأ التشريع في المدينة فور وصول النبي ﷺ إليها، فإن سورة البقرة كانت أول السور نزولاً في المدينة وهي حافلة بالأحكام والتشريعات، حتى قال ابن العربي نقلاً عن بعض شيوخه: ((إن في سورة البقرة ألف أمر، وألف حكم، وألف نهي))(٢) فهل يعقل أن يكون الرسول ﷺ قد تأثر بهذه السرعة مع البيئة ومن فيها، وأفاد من اليهود بهذه السرعة القياسية؟
ذلك أن تفاعل الإنسان مع المجتمع والبيئة الجديدة لا يتم بسرعة بين ليلة وضحاها، وبخاصة ما يرتبط بتطور قدراته الذاتية، وتفاعله مع ثقافة المجتمع الجديد، الذي يعيشه، ويكفينا لتأكيد هذه الحقيقة أن نلقي نظرة على الجماعات المهاجرة في البلدان الأخرى، والمعاناة التي يعانونها بسبب عدم قدرتهم على التفاعل مع مجتمعات هذه البلدان، حتى إن هذه المعاناة قد تمتد إلى أجيالهم اللاحقة (٣).
إن يهود المدينة أنفسهم _ على ما فيهم من حقد على الرسول ﷺ والإسلام _ لم يصدر مثل هذا القول عن أحد منهم، لكنه بقي قولاً مقبوراً، حتى بعثه هؤلاء المستشرقون في عصرنا.
(٢) أحكام القرآن، ج١ ص ٢٧.
(٣) دروس منهجية في علوم القرآن، على الشبكة العنكبوتية.