إن أمة ضالة هذه حالها مع كتابها، ليست أهلاً لأن تكون محل ثقة أحد، وحريٌّ بكل ناصح لأمته أن يُحَذِّر منهم، ومن تراثهم، وهو ما رأيناه من النبي ﷺ حين رأى بيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقات من التوراة، ينظر فيها من باب حب الاستطلاع، فعن جابر بن عبدالله، أن عمر بن الخطاب أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي ﷺ فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا بن الخطاب... والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلاَّ أن يتبعني (١)، أفيعقل بعد هذا أن يحفل الرسول ﷺ بما عند اليهود ويفيد منه؟!
إن نظرة موازنة بين الأحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين ما بقى بين أيدي اليهود من أحكام، تؤكد وجود اختلاف جوهري في أكثر الأحكام بين الأمتين، ولقد كان الرسول ﷺ حريصاً على تأصيل هذه المخالفة حتى غاظهم هذا وقالوا: ما يدع هذا الرجل شيئاً إلا خالفنا فيه (٢)، ولسنا بصدد إيراد أمثلة لهذا التباين لأن المقام لا يتسع له.
ومما يحسن إيراده في هذا المقام أن بعض المستشرقين كان يرى أن يهود المدينة كانوا عرباً تهودوا، وكانت تغلب عليهم البداوة وقلة العلم بالتوراة، فكيف ينسجم هذا مع مقولاتهم السابقة؟!
سبقت الإشارة إلى وجود بعض الظواهر الأسلوبية، التي ترى في السور المكية أكثر منها في السور المدنية. ومنها: التكرير في بعض الكلمات والآيات، وقصر السور والآيات، وكثرة الفواصل، وظاهرة التوكيد، وصور التشبيه، والتي يمكن القول إنها لم تكن كثيرة في السور المدنية.

(١) أخرجه أحمد في مسنده (٢٣/٣٤٩) برقم ١٥١٥٦، وقال فيه الألباني: ((حسن)) إرواء الغليل ج٦ ص٣٤.
(٢) أخرجه مسلم في ((صحيحه)) برقم (٣٠٢) والإمام أحمد في مسنده (١٩/٣٥٦) برقم ١٢٣٥٤.


الصفحة التالية
Icon