ويحسن بنا ونحن نستدرك على الزرقاني في مقولته أن ننبه لضرورة الحذر حين التصدي لطروحات المستشرقين، فإن الباحث في غمرة الانشغال بالشبه والرد عليها قد يغفل فيقع في محظور، فيزل في طرح أو يسيء في تعبير، أو يخطئ في تفسير، فيزيد الجناية سراية.
إننا نتساءل في هذا المقام، فنقول: إذا كان الحال ما زعمه المستشرقون، من أن الرسول ﷺ نمت قدراته، وتأثر ببيئته الجديدة في المدينة فظهرت الفروق بين السور المكية والمدنية، فلمَ لم نلحظ هذا الفرق في الحديث النبوي ما دام المصدر واحداً عندهم؟ فلم يظهر ما يدعو إلى وجود حديث مكي وحديث مدني.
إن التأثر بالبيئة ينعكس لا محالة على الأسلوب، فيورثه تبايناً واضطراباً، وهو ما لم يلحظ البتة في أسلوب القرآن الكريم، فلو كان هناك تدنٍ في مستوى القرآن المدني ـ كما زعموا ـ لما تكرر التحدي بالإتيان بمثله في المدينة كما سبقت الإشارة.
إن الباحث، وهو يتتبع هذه الشُبه ليخشى أن يجعل لها قيمة، حين يظن ظان، أن مجرد العرض لها، يعني أن لها حظاً من النظر، والحق ما قاله أبو الحسن الحصَّار:
فليس كل خلاف جاء معتبراً | إلاَّ خلاف له حظ من النظر |
*****
الخاتمة
يحسن بنا ونحن في خاتمة هذه الدراسة أن نجمع ما تناثر فيها من قضايا ومسائل، ففي لَمِّ شعثها ما يعين على تقديم تصور كامل للموضوع الذي عرضت له، كشفت هذه الدراسة ـ على وجازتها ـ أن ثمة أمراً دُبِّر بليل، على أيدي المستشرقين، وتواصوا به، وهو القول ببشرية القرآن الكريم، الذي لم يكد يسلم منه أحد منهم، إما بمقاله أو بلسان حاله.