كان ميدان الدراسات القرآنية أبرز الميادين التي عبث فيها هؤلاء، فقد قاموا بدراساتهم، وهم يحملون مقررات سابقة، ونتائج جاهزة، وقد أغرتهم وغرتهم دراسات سابقة لهم في التوراة والإنجيل، أوقفتهم على خلط وتناقض وأخطاء فيها، فنالوا من القرآن الكريم.
كان إنكار الوحي منطلق الغالبية منهم في هذه الدراسات، فأثاروا الشبهات حول كثير من الموضوعات التي كان منها المكي والمدني.
كتب المستشرقون لهذا الغرض كتباً مستقلة، مثل ((مقدمة القرآن)) لريتشارد بل، و((كتاب القرآن)) لبلاشير، و((مصادر الإسلام)) لتسدال، و((تاريخ النص القرآني)) لنولدكه، إضافة إلى عشرات الكتب التي ذكرت هذه الموضوعات عرضاً.
يلحظ الباحث وهو يتتبع رحلة الاستشراق، أنهم يتابع بعضهم بعضاً، فهم ناقلون مقلدون، أكثر من كونهم باحثين ناقدين. فإن عامة المستشرقين تابعوا كبراءهم، أمثال: جولد تسيهر، وكازانوفا، ونولدكه، وبلاشير.
عُني علماء الأمة بالمكي والمدني، منذ وقت مبكر، فحُدّد مفهومه، وضُبِطت طرق معرفته، واتضحت خصائصه، وظهرت فوائده، حين أحسن العلماء توظيفه.
درست فئة هذا العلم، وهم المستشرقون، الذين استتروا خلف البحث العلمي، فنسجوا منه شبهاً، في ضوء مناهج بحث مضطربة، يسهل توجيهها، كالمنهج الذاتي، والمنهج العفوي التلقائي.
فحولت خصائص المكي والمدني، على أيديهم، وفي عيونهم، شبهاً ونقائص. سواء ما كان منها ذا صلة بالأسلوب، أو بالمضمون.
لقد كشفت دراسة المستشرقين لعلم المكي والمدني، والنتائج التي خرجوا بها، أنهم يعملون لصالح جهات مشبوهة، وليسوا بعلماء.
لقد أتت دراستهم لاحظ لها من النظر، حين زعموا أن القرآن الكريم كان في مكة خطابياً، يخلو من الحجج، في حين أنه لا تخلو سورة منه من البراهين العقلية، والأدلة المنطقية.
كذلك بان ضعف قولهم إن القرآن الكريم أهمل التشريعات في مكة، وعني بها في المدينة، وقد ثبت لنا أن هذا لم يسلم لهم من حيث الدليل والمدلول.


الصفحة التالية
Icon