إن هذا التعريف غير جامع، ويُفْضي إلى القول بأن في القرآن ما ليس مكياً ولا مدنياً، وهو ما رأيناه في تقسيم ابن النقيب (١)، حين قال: ((ومنه ما ليس بمكي ولا مدني، ألجأ إليه اعتبار المكان))، وهو تعريف لن تتحقق في ضوئه الأغراض المرجوة من هذا الموضوع.
ثمة فريق نظر إلى المكي والمدني في ضوء خطابه للإنسان، فما كان خطاباً بـژ ؟ ؟ژ فهو مكي، وما كان خطاباً بـژ ؟ ؟ ؟ ژ فهو مدني (٢)؛ لأن الكفر كان غالباً على أهل مكة، والإيمان كان الغالب على أهل المدينة.
ينسبون في هذا المقام لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله: ((كل شيء في القرآن ژ ؟ ؟ ژ أنزل بمكة، وكل شيء في القرآن ژ ؟ ؟ ؟ ژ أنزل بالمدينة ))(٣).
إن صح هذا عنه رضي الله عنه، فقد قاله من باب التغليب، وإلاَّ فقد صح أن في سورة البقرة _ وهي مدنية باتفاق _ قوله تعالى: ژ ؟ ؟ ں ں ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ہ ژ [البقرة: ٢١ ] وغيرها كذلك، كما صح أن سورة النساء مدنية باتفاق، وفيها قوله تعالى: ژ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ پ پ پ پ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟؟ ؟ ؟ ؟ ٹ ٹ ٹ؟ ؟ ؟؟ ؟ ژ [النساء: ١].
ثم إن المسألة أوسع بكثير من أن تُحصر في مصطلحات وردت في قلة من الآيات يكون المعول عليها في تحديد سور بأكملها أهي مكية أم مدنية؟ وبخاصة أن كثيراً من السور تخلو منها.
إن هذا القول كسابقه لا حَظَّ له من النظر، ولهذا أعرض عنهما المحققون، وعرَّضوا بمن روَّج لهما.

(١) الإتقان، ج١ ص ٩.
(٢) مناهل العرفان، ج١ ص ١٩٠، محاضرات في علوم القرآن، ص ٧٩.
(٣) أخرج قول ابن مسعود هذا: البزار في مسنده (٤/٣٣٦) والحاكم في المستدرك (٣/١٨) ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (٧/١٤٤). وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١٠/٢٥١) وأبو عبيد في فضائله (٢/٢٠٢)، وابن الضريس في الفضائل أيضاً (ص٧٩)، ثلاثتهم عن علقمة مرسلاً، وصحّح الدارقطني أنه مرسل عن علقمة (العلل ٥/١٦٨-١٦٩)، وأشار إلى ذلك البزار أيضًا.


الصفحة التالية
Icon