حسبنا دليلاً على هذا ما رواه مسلم في ((صحيحه)) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((بينما أنا مع النبي ﷺ في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فسألوه، فأمسك النبي ﷺ فلم يرد عليهم شيئاً فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال: ژ؟ ؟ ؟؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ژ [الإسراء: ٨٥ ](١).
كانت الوسيلة الثانية في معرفة المكي والمدني، قياسية، وهي تقوم على استحضار مجموعة من الخصائص، أمكن لأهل الشأن جمعها، من خلال النظر في كلٍّ من المكي والمدني، فبدا لهم بعد طول نظر، ومزيد تأمل، أن ثمة خصائص تكاد تصاحب كلاًّ من المكي والمدني يمكن عند استحضارها واعتبارها التفريق بينهما، ومعرفة السور المكية من المدنية.
شجَّع أهلَ الاختصاص على اعتمادها، والأخذ بها، مجيءُ شيء منها عن الصحب الكرام، كالقول المتقدم عن ابن مسعود رضي الله عنه في اعتبار ژ ؟ ؟ ژ مكياً، و ژ ؟ ؟ ؟ ژ مدنياً، وكقول عروة بن الزبير: ((ما كان من حَدٍّ أو فريضة أنزلها الله عز وجل في المدينة، وما كان من ذكر الأمم والقرون أنزل بمكة))(٢).
نشط أهل الاختصاص في استخلاص هذه الميزات للمكي، والمدني، سواء ما كان منها ذا صلة بالمعاني، أو بالمباني، ونعني هنا الأسلوب والمضمون، بغية الاستعانة بها في تحديد المكي والمدني، كلما دعت حاجة، أو استدعى موقف.
ويمكننا أن نوجز ما سبق بما يلي:
السور والآيات المكية كانت بعامتها قصيرة، شديدة في الأسلوب، بخلاف الآيات، والسور المدنية، فكانت طويلة ذات أسلوب لين.
(٢) فهم القرآن، ص ٣٩٤، الحارث المحاسبي.