تضمنت السور المكية الوعد، والوعيد، والتوبيخ، ولهذا كان الخطاب فيها بيا أيها الناس، حتى كثر ورود كلمة " كلا " التي هي للردع والزجر في السور المكية، ولم ترد في السور المدنية، فصارت علامة على التفريق بين المكي والمدني، في حين امتازت السور المدنية بالحديث عن التشريعات في كافة المجالات، وكان الخطاب فيها بيا أيها الذين آمنوا.
كثر الحديث في السور المكية، عن الأمم السابقة، وأحوالها مع أنبيائها، في حين كثر الحديث في السور المدنية، عن محاجة أهل الكتاب، والمنافقين.
برزت في السور المكية ظاهرة القسم، والتكرير، وضرب الأمثلة الحسية، والتشبيه، والفاصلة القرآنية التي تشبه السجع، في حين ندر في القرآن المدني، وجود هذه المظاهر (١).
هذا مجمل ما أورده العلماء، في بيان الفروق بين المكي والمدني، حرصت على دمجه، واختصاره ليناسب المقال المقام، وهي فروق ـ كما أكد العلماء ـ نسبية، غالبة حتى إنه لم ينفرد قسم بواحد منها، دون القسم الآخر كما سنرى.
لقد أدَّتْ هذه الفروق ـ على أية حال ـ الأغراض التي سيقت من أجلها في مجال التشريع، وتتبُّع مراحل الدعوة، وفي مجال الاحتكام إليها في تحديد السور التي لم يرد دليل خارجي من قول مأثور، أو سبب نزول يحدد أمكية هي أم مدنية؟
لقد وضع العلماء هذه الفروق بعد ملاحظة واستقراء، ولم يكن يرد في خلدهم أن ثمة طائفة قادمة تحت جنح الظلام، تسلك منهجاً، لا خطام له، ولا زمام، تسعى لتوظيف هذه الفروق لإثبات مقرر سابق، والترويج لأفكار لاحظ لها من الصحة ولا اعتبار، إنهم المستشرقون.