سعى المستشرقون إلى توظيفها، لإثبات مقررات سابقة، واعتمد أكثرهم المنهج الذاتي، وهو يقوم على استحضار المستشرق لانتماءاته سواء أكانت دينية، أم علمية أم تاريخية، عند دراستهم لمباحث العلوم الإسلامية، بحيث جاء نتاجهم وبدرجات متفاوتة، مستجيباً لثقافاتهم، لا لما تفرضه الدراسة العلمية للمصادر الإسلامية من نظريات ورؤى (١).
يحسن بنا ونحن نعرض لشبهات المستشرقين، حول المكي والمدني، أن نضع هذه الفروق والخصائص في نصابها الحقيقي، من خلال دراستها وتقويمها بغية بيان ما لها من آثار وثمار، رغبةً في الحيلولة دون تضخيمها، واستثمارها من قبل المستشرقين عسى أن نأتي بهذا المسلك على نظرياتهم وافتراضاتهم، وهو ما يملي علينا الدمج بين هذه الفروق في أثناء عرض ونقض شبه المستشرقين، ولعل هذا أولى من الفصل بينها.
بيد أني أبيح لنفسي، أن أسجل هنا ملحوظة عامة، بغية استحضارها في أثناء دراستنا هذه، وهي أن الفروق التي ذكرت بين المكي والمدني، لم تسلم من جناية المبالغة فيها، حتى مِنْ قِبَل أهل الاختصاص كما سيأتي بيانه.
ولا يتسم منها فرق بالكلية بل بالأغلبية النسبية، حتى ذاك الفرق الذي ردده كل من كتب في هذا الموضوع وهو كلمة (كلاّ)، فقد أطبقوا أنها لم ترد في سورة مدنية قط، بوصفها كلمة ردع وزجر، وهو أسلوب خلت منه السور المدنية.
وفي هذا يقول السيوطي في الإتقان نقلاً عن الديريني:

وما نزلت كلاّ بيثرب فاعلمَنْ ولم تأت في القرآن في نصفه الأعلى
(١) نبوة محمد في الفكر الاستشراقي المعاصر، ص ٢١٥، لخضر شايب.


الصفحة التالية
Icon