تحدث الفراهي في المقدمة الأولى لكتاب المفردات عن أهمية الموضوع وشدة الحاجة إليه، فقال: "لا يخفى أن المعرفة بالألفاظ المفردة هي الخطوة الأولى في فهم الكلام. وبعض الجهل بالجزء يفضي إلى زيادة جهل بالمجموع. وإنما يسلم المرء عن الخطأ إذا سدّ جميع أبوابه، فمن لم يتبين معنى الألفاظ المفردة من القرآن، (١) أغلق عليه باب التدبر و (٢) أشكل عليه فهم الجملة، و (٣) خفي عنه نظم الآيات والسورة... ثم سوء فهم الكلمة ليس بأمر هين، فإنه يتجاوز إلى إساءة فهم الكلام وكل ما يدل عليه من العلوم والحكم، فإن أجزاء الكلام يبين بعضها بعضاً للزوم التوافق بينها... ". ثم أشار إلى "أن كتب اللغة والغريب لا تعطيك حدود الكلمات حداً تاماً". (١)
وهكذا لما ذكر المصادر اللسانية لتفسيره في المقدمة الثالثة من كتابه فاتحة نظام القرآن صرّح أولاً بأن المعاني الشرعية نحو الصلاة والزكاة والصوم وغيرها محفوظة لا خلاف فيها، وأنها لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة (٢). أما سائر الألفاظ فيرجع فيها إلى استعمالاتها في القرآن الكريم وكلام العرب القديم. وهو لا ينكر أهمية كتب اللغة، ولكنه يرى أن مفسّر القرآن ينبغي أن لا يكتفي بالمعجمات بل يطلع على كلام العرب ويدارسه ويتذوقه، فإن كتب اللغة "كثيراً ما لا تأتي بحد تام، ولا تميز بين العربي القح والمولد، ولا تهديك إلى جرثومة المعنى. فمن لم يمارس كلام العرب واقتصر على كتب اللغة ربما لم يهتد لفهم بعض المعاني من كتاب الله".
تبين من ذلك أن أهمية المعرفة الدقيقة لمعاني المفردات في فهم الكلام، وقصور كتب اللغة والغريب في إعطاء هذه المعرفة هو السبب الأساس الذي دفع العلامة الفراهي إلى إفراد كتاب في هذا الموضوع.
٢- الرد على الطاعنين من المستشرقين.
(٢) فاتحة نظام القرآن: ١٢-١٣.