على الرغم من أن العلامة الفراهي رحمه الله لم يتيسر له تأليف كتاب المفردات على الوجه الذي أراده، لا من ناحية عدد الألفاظ ولا من ناحية استقصاء القول في الكلمات التي تضمها المسودة، على الرغم من ذلك لا يخفى على من نظر في الكتاب قيمته العلمية ومكانته الجليلة بين كتب غريب القرآن، فإنه ليس من نوع التأليف المكرر بالشرح أو التلخيص أو التيسير، وإنما يتسم بالأصالة والجدة، ويحفل بتحقيقات بارعة وفوائد نفيسة تخلو منها الكتب الأخرى، فهو -على صغر حجمه وقلة مادته- جدير بأن يرجع إليه ويستفاد منه.
ولكي تتضح القيمة العلمية لكتاب المفردات، ويتبين ما يضيفه إلى المعجم العربي من نظرات جديدة في تحقيق بعض المفردات القرآنية، ومالها من أثر في الكشف عن بلاغة الكلام في الآيات التي جاءت فيها تلك المفردات، نورد ثلاثة نماذج من الكتاب:
المثال الأول: كلمة الآلاء (ص ١١ - ١٢)
قد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم ٣٤ مرة: مرتين في سورة الأعراف (٦٩، ٧٤) ومرة واحدة في سورة النجم (٥٥) والمواضع الباقية في سورة الرحمن. وأجمع أهل اللغة وعامة المفسرين على أن معناها: النعم، ولكن العلامة الفراهي رحمه الله يقول إن القرآن وكلام العرب كلاهما يأبى هذا المعنى. والظاهر عنده أن معناه: "الفعال العجيبة، ولما كان غالب فعال الله تعالى الرحمة ظنوا أن الآلاء هي النعم، والرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما حملتهم على هذا، ولكن السلف إذا سئلوا أجابوا حسب السؤال والمراد المخصوص في موضع مسؤول عنه". وقال في موضع آخر: "... ولما كانت الرحمة من أغلب شؤون الرب عز وجل غلب استعمال هذا اللفظ في معنى النعم، ولكن العربي القح هو الأول، وبه نزل القرآن" (١).

(١) تعليقاته التفسيرية : ٤٣٤.


الصفحة التالية
Icon