أطبقت كتب اللغة والغريب على أن العصر هو الدهر، لا فرق بينهما (١). أما العلامة الفراهي فقد هداه تذوقه لمواقع استعمال كلمة العصر في كلام العرب والنظر في مشتقات مادته إلى أن العصر له معنيان: "الزمان الماضي، وآخر النهار". وقد اكتفى بذلك في كتاب المفردات ثم أورد الشواهد على قوله، ولكنه فصل القول في تفسير سورة العصر في فصل عقده بعنوان "دلالة كلمة العصر"، ومما قال فيه:
"اعلم أن كلمة العصر اسم للزمان من جهة ذهابه ومروره، كما أن الدهر اسمه من حيث مجموعه. ولذلك يستعمل العصر كثيراً للأيام الخالية" وساق بعد ذلك خمسة أبيات من الشواهد المذكورة في كتاب المفردات ثم قال: "ومن هنا (الإعصار) للريح السريعة من جهة المرور والذهاب، و (عصر المائع): إمراره، و(العصر) لآخر النهار من جهة ذهاب النهار (والعصارة)، ومنه (عنصر) الشيء. فكلمة العصر تذكرهم الأيام الخالية وتوجههم من صفات الزمان إلى زواله وسرعة ذهابه. والأولى عبرة لهم بما جلب على الإنسان من حكم الله فيهم حسب أعمالهم، والثانية تحرّضهم على التشمير لكسب ما ينفعه من زمان أجلى صفته سرعة الزوال" (٢).
ومن الشواهد التي أوردها في كتاب المفردات قول رُبَيع بن ضبع:
أصبح مني الشباب قد حسرا | إن ينأ عني فقد ثوى عُصُرا (٣) |
وكنا حسبناهم فوارسَ كَهمسٍ | حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا (٤) |
قد كنتُ في عُصُرٍ لا شيء يعدله | فبان مني وهذا بعده عُصُرُ (٥) |
(٢) تفسير سورة العصر ص ٣-٤.
(٣) حماسة البحتري ٢٠١.
(٤) اللسان (كهمس).
(٥) كتاب المعمرين رقم ٤٩.