وفسّره الفراهي بقوله: "أي هذا الزمان بعد ذلك أيضاً ماض ومارّ" ومن الشواهد التي علق عليها الفراهي خلال قراءته لدواوين الشعر الجاهلي قول عبدالله بن سلمة الغامدي من قصيدة له:

فإن تشب القرون فذاك عصر وعاقبةُ الأصاغر أن يشيبوا (١)
علق عليه بقوله: "فذاك عصر، أي فذاك الدهر شأنه أن يمر".
ومن أوضح الشواهد التي وقعت عليها قول لبيد بن النِّمس الغساني:
نحن كنا الملوك في عُصُر الدهر وكنتم - فيم الأناة - عبيدا (٢)
والشواهد على ما ذكره المؤلف كثيرة جداً. ومن دقة تعبير المؤلف أنه قيد استعمالها للزمن الماضي بالكثرة. وقد تتبع الباحث قديماً استعمالها في كثير من دواوين شعراء الجاهلية، فلا يتذكر أنها جاءت للدلالة على الزمن الحاضر إلا في قول علقمة بن عبدة:
طحابك قلب في الحسان طروب بعيد الشباب عصر حان مشيب (٣)
ثم كلام المؤلف على مشتقات مادة (عصر) يبين أن العصر بمعنى الزمن و (عصر المائع) و (العنصر) كل ذلك من أصل واحد، بينما جعله ابن فارس أصولاً ثلاثة: الأول دهر وحين، والثاني ضغط شيء حتى يتحلب، والثالث تعلق شيء وامتساك به، ومنه العصرة بمعنى الملجأ، وجعل العنصر من الأصل الثالث (٤).
المثال الثالث: كلمة درس (ص ٣٨ - ٣٩)
جاءت مادة (درس) في القرآن الكريم ست مرات وكلها بمعنى القراءة، أما في اللغة فمن معانيها غير القراءة: البلى، والجرب، والدياس، والأكل الشديد. وقد زعم بعض المستشرقين أن الدرس بمعنى القراءة أخذه النبي ﷺ من اليهود (٥)، فرد عليه الفراهي في كتاب المفردات بأن " النبي كيف يتكلم قوماً بلسانهم ثم يزيد فيه ما ليس منه، والقرآن يصرح بأنه عربي مبين، فلا يكون فيه إلا ما عرفته العرب ".
(١) المفضليات: ١٠٤.
(٢) الأنوار ومحاسن الأشعار ١ / ١٩٨.
(٣) المفضليات ٣٩١.
(٤) مقاييس اللغة ٤: ٣٤٠.
(٥) انظر جيفري: ٢٨٣.


الصفحة التالية
Icon