ثم بيّن أصل المادة ومشتقاتها في العربية فقال: " أصله الحك والمشق، ومنه للخط، قال أبو دواد:

ونؤي أضرَّ به السافياءُ كدرس من النون حين امحى (١)
أي كخط النون. ومنه كثرة الاشتغال بالقراءة. وهذا يتضح من استعمال الكلمة في كلتا اللغتين: العربي والعبرانية. ومن أصل المعنى: الدرس للجرب والحكة. والمدروس: الفراش الموطأ، والدرس للأكل الشديد. ومنه درس الطعام: داسه... ودرس الصعب حتى راضه. ودرست الكتاب بكثرة القراءة حتى خف حفظه. فالدرس: كثرة القراءة... كما قال تعالى: ﴿ وليقولوا درست ﴾ (الأنعام: ١٠٥.) أي بالغت في قراءتك عليهم. وأما أنها لا توجد في هذا المعنى في أشعار العرب، فذلك لأن للشعر مجاري محدودة ومعاني خاصة، فقلما يذكرون القراءة فضلاً عن إكثارها".
وقد ذهب الراغب إلى أن الأصل في مادة درس قولهم (درس الدار) بمعنى بقي أثرها، ولما كان بقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فسر الدروس بالانمحاء ثم قال: "وكذا درس الكتاب ودرست العلم: تناولت أثره بالحفظ. ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس... ودرس البعير: صار فيه أثر جرب" (٢). فكأن أصل المعنى لهذا اللفظ عند الراغب: بقاء الأثر، ومنه تفرعت المعاني الأخرى، ولا يخفى مافيه من التكلف والبعد. أما ابن فارس فجعل أصل المعنى الخفاء والخفض والعفاء، وقال: "ومن الباب درست القرآن وغيره، وذلك أنّ الدارس يتتبع ما كان قرأ، كالسالك للطريق يتتبعه" (٣).
وفي الكتاب أمثلة أخرى لتأصيل الكلمات التي زعم المستشرقون أنها مأخوذة من أهل الكتاب نحو سفرة، وسبح، والصلاة، والركوع.
(٥) مآخذ على الكتاب :
(١) انظر لسان العرب (سفا).
(٢) مفردات الراغب، ص ٣١١.
(٣) مقاييس اللغة ٢ : ٢٦٧.


الصفحة التالية
Icon