ولعل الذي يرفع الخلاف بين القولين أن أبا هلال وغيره يقصدون أول من ألف من أهل اللغة، فإن الثلاثة الأولين يعدون من أهل التفسير، ويشهد بذلك قول ابن درستويه (ت٣٤٧هـ): "وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنى، ثم قطرب بن المستنير، ثم الأخفش، وصنف من الكوفيين الكسائي ثم الفراء" (١). وقد شهد القرنان الثاني والثالث إقبالاً عظيماً على التأليف في غريب القرآن، وعلماء اللغة هم الذين كانوا فرسان هذا الميدان، فقلما نجد منهم من لم يذكر له كتاب في هذا الفن، حتى الأصمعي الذي روي أنه كان يتحرج من تفسير ألفاظ القرآن نسب إليه كتاب في غريب القرآن (٢).
وتسمى كتبهم في المصادر بأسماء مختلفة من (غريب القرآن)، و (معاني القرآن)، و (مجاز القرآن)، و (ما يستعجم الناس فيه من القرآن) و (غرائب القرآن). وهي عناوين كانت متقاربة في مدلولها في ذلك العصر، فكان الكتاب الواحد يطلق عليه أحياناً (مجاز القرآن) و (معاني القرآن)، و(غريب القرآن) و(إعراب القرآن) أيضاً، ومثال ذلك كتاب أبي عبيدة معمر بن المثنى. ولعل سبب ذلك أن الكتب الأولى التي ألّفت في هذا المجال لم تكن مقصورة على تفسير ألفاظ القرآن فحسب، بل كانت تضم بالإضافة إلى ذلك - مباحث النحو والصرف والقراءات، وتفسير ما أشكل من معاني الآيات، ومذاهب العرب في القول؛ على اختلافها في التوسع في إيراد تلك المباحث بحسب اهتمام مؤلفيها وثقافتهم. ويتضح ذلك جلياً من دراسة الكتب الثلاثة التي وصلت إلينا من كتب الأوائل، وهي:
مجاز القرآن لأبي عبيدة (ت ٢١٠ هـ).
معاني القرآن للفراء (ت ٢٠٧ هـ).
معاني القرآن للأخفش الأوسط (ت ٢١٥ هـ).
(٢) هدية العارفين : ٦٢٣. وفي الفهرست للنديم: "كتاب لغات القرآن للأصمعي" (ص٣٨).