هذا الأصل هو أعظم أصول التوحيد، بل لا يقوم التوحيد ولا يتم ولا يكمل حتى ينبني على هذا الأصل، فإن التوحيد يقوى بمعرفة الله، ومعرفة الله أصلها معرفة أسمائه الحسنى وما تشتمل عليه من المعاني العظيمة والتعبد لله بذلك.
وفي الحديث الصحيح: (إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة). رواه البخاري (رقم: ٢٧٣٦)، ومسلم (رقم: ٢٦٧٧).
وإحصاؤها تحصيل معانيها في القلب، وامتلاء القلب من آثار هذه المعرفة، فإن كل اسم له في القلب الخاضع لله المؤمن به أثر وحال لا يُحَصِّلُ العبد في هذه الدار ولا في دار القرار أجلَّ وأعظم منها، فنسأله تعالى أن يمنَّ علينا بمعرفته ومحبته والإنابة إليه.
الله
هذا الاسم الجليل الجميل هو أعظم الأسماء الحسنى، بل قيل: إنَّه الاسم الأعظم وممن قال بذلك ابن منده في كتابه التوحيد (٢/٢١). ، وسيأتي التنبيه على الاسم الأعظم عن قريب إن شاء الله.
ولهذا تضاف جميع الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم ويوصف بها، فيقال: الرحمن، الرحيم، الخالق، الرازق، العزيز، الحكيم، إلى آخرها من أسماء الله. ولا يقال: الله من أسماء الرحمن، الرحيم، إلى آخرها.
فمعنى الله كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجميعن" رواه ابن جرير في تفسيره (١/٥٤). ، فجمع -رضي الله عنه- في هذا التفسير بين الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ الله، كما دلَّ على العلم الذي هو وصفه لفظ العليم، وكما دل على العزة التي هي وصفه لفظ العزيز، وكما دلَّ على الحكمة التي هي وصفه لفظ الحكيم، وكما دلَّ على الرحمة التي هي وصفه لفظ الرحيم، وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها.
فكذلك الله هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحق أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشارِكٌ بوجه من الوجوه.


الصفحة التالية
Icon