فكلُّ النواهي تعود إلى هذه الأمور، وأيضًا الأوامر سهَّلها وأعان عليها بأسبابٍ شرعيةٍ وأسبابٍ قدريةٍ، وذلك من تمام رحمته، كما أنَّ النواهي جعل عليها من العوائق والموانع ما يحجز العباد عن مواقعتها إلا من أبى وشرد، ولم يكن فيه خير بالكليَّة. وشرع أيضًا من الروادع والزواجر والحدود ما يمنع العباد ويحجزهم عنها، ويقلل من الشرور شيئًا كثيرًا.
وبالجملة فشرعة وأمره نزل بالرحمة، واشتمل على الرحمة، وأوصل إلى الرحمة الأبدية والسعادة السرمدية.
الخالق البارئ المصور
أي هو المنفرد بخلق جميع المخلوقات، وبَرأ بحكمته جميع البريَّات، وصوّر بإحكامه وحسن خلقه جميع الكائنات، فخلقها وأبدعها وفطرها في الوقت المناسب لها، وقدَّر خلقها أحسن تقدير، وصنعها أتقن صنع وهداها لمصالحها، أعطى كلَّ شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كلَّ مخلوق لما هُيىء وخلق له.
وإذا كان هو الخالق وحده البارئ المصور لا شريك له في شيء من ذلك، فهو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة إلا هو، وهو الخالق للذاوات والأفعال والصفات، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ويجعل المؤمن مؤمنًا والكافر كافرًا، من غير أن يجبر العباد على غير ما يريدون.
ففي عموم خلقه ردّ على القدرية حيث أخرجوا أفعال العباد وطاعتهم ومعاصيهم عن دخولها تحت خلقه وتقديره، حذرًا منهم وفرارًا من الجبر، ولم يدروا أن كماله وكمال قدرته ينفي الجبر، وأنه قادر على جعل العبد يفعل ما يختاره ويريده جاريًا على قدره ومشيئته، فهو أعظم من أن يجبر العباد، وأعدل من أن يظلمهم، بل هم الذين يريدون ويختارون والله هو الذي جعلهم كذلك، وإرادتهم وقدرتهم تابعة لمشيئة الله، ﴿لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨، ٢٩].
العزيز الجبار المتكبِّر القهَّار القوي المتين