فالملك يرجع إلى ثلاثة أمور: صفات الملك التي هي صفاته العظيمة، وملكه للتصاريف والشؤون في جميع العوالم، وأن جميع الخلق مماليكه وعبيده، فهو الملِكُ الذي له ملكُ العالم العلوي والسفلي، وله التدبيرات النافذة فيها، ليس لله في شيء من ذلك مشارك.
القُدُّوس السَّلام
أي الذي له كلُّ قُدس وطهارة وتعظيم، وتقدَّس عن صفات النقص. فالقدوس يرجع إلى صفات العظمة، وإلى السلامة من العيوب والنقائص، كما أنَّ السَّلام يدل على المعنى الثاني، فهو السالم من كلِّ عيب وآفة ونقص.
ومجموع ما ينزّه عنه شيئان:
أحدهما: أنَّه منزّه عن كلِّ ما ينافي صفات كماله، فإنَّ له المنتهى في كلِّ صفة كمال، فهو موصوف بكمال العلم وكمال القدرة، منزّه عما ينافي ذلك من النسيان والغفلة، وأن يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ومنزّه عن العجز والتعب والإعياء واللغوب، وموصوف بكمال الحياة والقيُّومية، منزّه عن ضدها من الموت والسِّنة والنوم، وموصوف بالعدل والغنى التام، منزّه عن الظلم والحاجة إلى أحد بوجه من الوجوه، وموصوف بكمال الحكمة والرحمة، منزّه عن ما يضاد ذلك من العبث والسفه، وأن يفعل أو يشرع ما ينافي الحكمة والرحمة.
وهكذا جميع صفاته منزّه عن كلِّ ما ينافيها ويضادها.
الثاني: أنَّه منزّه عن مماثلة أحد من خلقه، أو أن يكون له نِدٌّ بوجه من الوجوه. فالمخلوقات كلُّها وإن عظمت وشرفت وبلغت المنتهى الذي يليق بها من العظمة والكمال اللائق بها، فليس شيء منها يقارب أو يشابه الباري، بل جميع أوصافها تضمحل إذا نسبت إلى صفات باريها وخالقها، بل جيمع ما فيها من المعاني والنعوت والكمال، هو الذي أعطاها إياه، فهو الذي خلق فيها العقول والسمع والأبصار والقوى الظاهرة والباطنة، وهو الذي علَّمها وألهمها، وهو الذي نمَّاها ظاهرًا وباطنًا وكمَّلها، قالت الرسل والملائكة: لا علم لنا إلا ما علمتنا.