والمعنى الثاني: اللطيف الذي يوصل أولياءه وعباده المؤمنين إلى الكرامات والخيرات بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون، والتي يريدون وما لا يريدون، وبالذي يحبون والذين يكرهون وانظر أمثلة نفسية جدا لهذا المعنى في كتاب "المواهب الربانية من الآيات القرآنية" للمؤلف رحمه الله (ص: ٧٠ وما بعدها). ، فيلطف بأوليائه، فييسرهم لليسرى ويجنبهم العُسرى، ويلطف لهم فيقدر أمورًا خارجية عاقبتها تعود إلى مصالحهم ومنافعهم. قال يوسف -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ﴾ [يوسف: ١٠٠]، أي حيث قدَّر أمورًا كثيرة خارجية عادت عاقبتها الحميدة إلى يوسف وأبيه، وكانت في مبادئها مكروهة للنفوس ولكن صارت عواقبها أحمدَ العواقب، وفوائدها أجلَّ الفوائد.
المبدئ المعيد
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [الروم: ٢٧] ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤].
فهو تعالى الذي ابتدأ الخلق المكلَّفين ثم يعيدهم بعد موتهم، ابتدأهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليرسل إليهم الرسل وينزل عليهم الكتب ويأمرهم وينهاهم، لم يخلقهم عبثًا ولا سدى، ثم إذا انقضت هذه الدار وظهر الأبرار من الفجار، وتمَّت هذه الأعمار، أعادهم بعدما أماتهم ليجزيهم الثواب على إيمانهم وطاعاتهم، والعقاب على كفرهم وعصيانهم جزاءً دائمًا بدوام الله، وإعادةُ الخلق أهون عليه من ابتدائه وذلك كلُّه على الله يسير.
وعموم ما دل عليه هذان الاسمان الكريمان يشمل كلَّ إبداء وإعادة لهذه المخلوقات، فالناس في هذه الدار في إبداء وإعادة في نومهم ويقظتهم، كلَّ يوم يعادون ويبدأون. وهذه الأرض كلَّ عام في إبداء وإعادة، يحييها بالماء والأمطار، ثم يعود النبت هشيمًا والأخضر رميمًا، ثم هكذا أبدًا ما داموا في هذه الدار رحمة بهم ومتاعًا لهم ولأنعامهم، وذلك كلُّه تابعٌ لحكمته ورحمته.
الفعَّال لما يريد


الصفحة التالية
Icon