وهذا من كمال قوته ونفوذ قدرته، أنَّ كلَّ أمر يريده فَعَلَه، لا يتعاصى عليه شيء، ولا يعارضه أحد، وليس له ظهير ولا عوين ولا مساعد على أيِّ أمر يكون، بل إذا أراد أمرًا قال له كن فيكون.
ومع أنَّه الفعَّال لما يريد، فلا يريد إلا ما تقتضيه حكمته وحمده، فجميع أفعاله تابعة لحكمته، فهو موصوف بالكمال من الجهتين، من جهة كمال القدرة ونفوذ الإرادة، وأنَّ جميع الكائنات قد انقادت لمشيئته وإرادته. ومن جهة الحكمة، فإنَّه الحكيم في كلِّ ما يصدر منه من قول وفعل، ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [هود: ٥٦]، أي في أقواله وأفعاله.
العفو الغفور، الغفار التوَّاب
العَفْوُ والمغفرة من لوازم ذاته لا يكون إلا كذلك، ولا تزال أثارُ ذلك ومتعلقاُتهُ تشمل الخليقة آناء الليل والنهار، فعفوه ومغفرته وسعت المخلوقات والذنوب والجرائم.
و التقصير الواقع من الخلق يقتضي العقوبات المتنوعة، ولكن عفو الله ومغفرته تدفع هذه الموجَبَات والعقوبات، فلو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة.
وعفوه تعالى نوعان:
عفوه العام عن جميع المجرمين من الكفار وغيرهم، بدفع العقوبات المنعقدة أسبابها والمقتضية لقطع النعم عنهم، فهم يؤذونه بالسب والشرك وغيرها من أصناف المخالفات، وهو يعافيهم ويرزقهم ويُدرُّ عليهم النعم الظاهرة والباطنة، ويبسط لهم الدنيا، ويعطيهم من نعيمها ومنافعها، ويمهلهم ولا يهملهم بعفوه وحلمه.