أما بعد: فقد كتبت سابقًا كتابًا مطولاً في تفسير القرآن، فصار طوله من أكبر الدواعي لعدم نشره؛ لفتور الهمم ومللِها من الطول، ثم إني بعد ذلك استخلصت منه ومن غيره قواعد تتعلق كلُّها بأصول التفسير، وهي نعم العون للراغبين في علم التفسير الذي هو أصل العلوم كلِّها، فبلغت سبعين قاعدة، ويسَّر المولى طبعها ونشرها.
فتكرَّر علي الطلب في السعي في نشر التفسير فاعتذرت بالعذر المذكور، ولكن لا زلت أفكر في تلخيصه واختصاره( (١) وقد فعل ذلك رحمه الله حيث ألف كتابه " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن " وهو مطبوع متداول. ١)، فظهر لي أنَّ الأولى والأنفع إفرادُ علوم التفسير كلِّ نوع على حدته ولو لزم من ذلك ترتيب التفسير، بل لو لزم من ذلك ترك الكلام على كثير من الآيات القرآنية إذا تكلمنا على نظيرها أو ما يقاربها، فإنَّ الإحاطة على جميع الآيات القرآنية ليس من شروط علم التفسير، لأنَّ من خواص تيسير الله لمعاني كتابه أنَّه جعله أصولاً وقواعد وأسسًا، إذا عرف العبد منها موضعًا عرف نظيره ومشابهه ومقاربه في كلِّ المواضع، فمعرفة بعضه يدعو إلى معرفة باقيه.
ثم نظرت فإذا علوم التفسير كثيرة جدًا، وفي استيعابها يطول الكتاب جدًا، فرأيت أهم علوم القرآن على الإطلاق ثلاثة علوم: علم التوحيد والعقائد الدينية، وعلم الأخلاق والخصال المرضية، وعلم الأحكام للعبادات والمعاملات.


الصفحة التالية
Icon