فأخبر في هذه الآية عن الأسباب التي نالوا بها ولاية الله، وهي الإيمان والتقوى، والفوائد والثمرات العظيمة التي يجنونها من هذه الولاية، وهي الأمن التام وزوال ضده من الخوف والحزن، والبشارة الكاملة في الدنيا بما يبين لهم ويبشرهم به من اللطفِ والعنايةِ والتوفيق للخيرات والحفظ من المخالفات، وبالثناء الحسن بين العباد، وبالرؤيا الصالحة التي يراها المؤمن أو تُرى له، والبشارة عند الموت، وفي القبر، وفي عَرَصَات القيامة.
فهذا تنبيه جامعٌ، متوسطٌ بين الاختصار المخل والطول الممل، وفيه من التفصيلات النافعة، والنكت اللطيفة، والفوائد والفرائد مالا تكاد تجده مجموعًا في محل واحد، ولنتبع هذا المقصد الجليل ببقية المقاصد من علوم التوحيد، فنقول: بيان الأصول التي كَثُر الكلام فيها بين السلف، وبين أهل الكلام، وهي متفرعة على أسماء الله الحسنى وصفاته، ولكن لزيادة الإيضاح نبيّن دلالة القرآن عليها بخصوصها.
القول في علو الباري، ومباينته لخلقه، واستوائه على عرشه
هذا الأصل العظيم لم يزل الصحابة والتابعون لهم بإحسان يعترفون ويعلمون علمًا لا يرتابون فيه بما دلّ عليه الكتاب والسنّة من علوِّ الله تعالى، وأنَّه فوق عباده، وأنَّه على العرش استوى، وأنَّ له جميع معاني العلو: علو الذات، وعلو القدر وعظمةِ الصفات، وعلو القهر لجميع الكائنات، حتى نبغت الجهمية ومن تبعهم فأنكروا المنى الأول، لا ببرهان عقلي، فإنَّ العقل دلّ على علو الله تعالى على خلقه بذاته دلالة فطرية واضحة، ولا ببرهان نقلي، فإنَّ جميع النصوص تنافي قولهم وتبطله وتثبت له تعالى كمال العلو من كلِّ وجه.
وفي القرآن "العلي" في مواضع كثيرة وفيه "الأعلى"، وذلك يدل على أنَّ علوه من لوازم ذاته وأنَّ جميع معانيه ثابتة لله تعالى.
وفيه الإخبار عن فوقيته للمخلوقات كقوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٥٠].