وذلك أنَّ الله تعالى فعّال لما يريد، وقد تواترت السنة بنزول الرب إلى السماء الدنيا. والكتاب قد دلّ على كمال قدرته، وأنَّه الفعّال لما يريد، وأنَّه ليس له مثيل ولا شبيه، فإذا أخبر المعصوم –صلى الله عليه وسلم- بنزوله إلى السماء الدنيا، فما عذر المؤمن إذا لم يعتقد ما أخبر به –صلى الله عليه وسلم-، وأنَّه ليس كمثله شيء فهو ينزل كيف يشاء مع كمال علوه، فإنَّ علوه من صفاته الذاتية، ونزوله وإتيانه من أفعاله الاختيارية التابعة لقدرته ومشيئته.
وقال تعالى: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ [الفجر: ٢٢]، وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] الآية.
وهذا صريح لا يقبل التأويل بوجه، ومن تأوّل هذا فكلُّ صفاته بل وأسمائه الحسنى يتطرّق إليها هذا التأويل، بل التحريف الباطل المنافي للكتاب والسنّة.
القول في رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة
على هذا جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين والهدى، و به أخبر الله في كتابه في عدة آيات منها قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢، ٢٣] أي حسنة نيّرة من السرور والنعيم، تنظر إلى وجه الملك الأعلى.
وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥]. وهذا من أدلِّ الأدلة على أنَّ المؤمنين غير محجوبين عن ربهم، لأنَّ الله توعَّد المجرمين بألم الحجاب، فيستحيل أن يُحجب المؤمنين عنه ويكونوا كأعدائه.
وفي عموم قوله تعالى: ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ﴾ [المطففين: ٢٣] ما يدل على رؤية الباري، فهم ينظرون إلى ما أعطاهم مولاهم من النعيم الذي أعظمه وأجلّه رؤية ربهم، والتمتع بخطابه ولقائه.