وبهذا يُعرف أنَّ إطلاق الإيمان في كثير من الآيات القرآنية يشمل هذا كلَّه، لأنَّه رتب على المطلق من الأمر والمدح والثواب ما رتبه على المقيد. فجميع الأوصاف الجميلة داخلة في الإيمان، وكذلك الإيمان التام ينفي الأخلاق الرذيلة كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٢-٤].
فوصفهم بالإيمان القلبي وأعمال القلوب من التوكل والزيادة في الإيمان، وبأعمال الجوارح من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة بالقيام بحقه وحق خلقه. وأخبر أنَّ هؤلاء هم الذين حققوا الإيمان، وانَّ لهم من الله المغفرة الكاملة والثواب التام.
وقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾إلى أن قال:﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: ١-١١].
فأخبر عنهم بالفلاح، وبشّرهم بالمنازل العالية، كما وصفهم بالإيمان الكامل الذي أثّر في قلوبهم الخضوع والخشوع في أشرف العبادات، وحفظ ألسنتهم وفروجهم وجوارحهم، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ومراعاتهم للأمانات الشاملة لحقوق الله وحقوق خلقه، وأنَّهم مراعون لها، قائمون بها، وبالعهود التي بينهم وبين الله، والتي بينهم وبين خلقه.
وقد ذكر ما يشبه ذلك في سورة المعارج، وكذلك ذكر الله خصال الإيمان في قوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [البقرة: ١٧٧] الآيات، فحيث أطلق الله الإيمان، أو أثنى على المؤمنين مطلقًا دخلت فيه جميع هذه الأمور.